التطرف في الفتوى

السبت - 07 يوليو 2018

Sat - 07 Jul 2018

التطرف في الفتوى نهج وفكر سلكه بعض المتعالمين المتعالين على العلم والعلماء، أساسه ولبناته الأولى الإقصاء للآراء، والتنقيص من الغير، والثبات على رأي، مع عدم إمكانية تغييره كأنه قرآن يكفر من حرفه، أو سنة يتبوأ مقعده من النار من أدخل فيها ما ليس منها مع مهاجمتهم للمخالف، فما إن تطف على سطح الواقع مسألة هي من مسائل الفروع التي يسوغ فيها الخلاف، واختلف فيها أهل القرون المفضلة الأول، حتى تجدهم يجلبون عليك بخيلهم ورجلهم وعدتهم وعتادهم، قامعين منددين بآراء غيرهم فيها، مقررين لرأيهم، ولسان حالهم يقول «ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد».

بل تعدى ببعضهم وبلغ به الحال أن يسب مخالفيه، ويفجر مهم بالخصومة، ويفحش بالأقوال والأفعال، ومهم بذلك يحيدون عن وسطيتهم المزعومة إلى التطرف، ويكسرون لافتة «الوسطية» التي يلوحون بها كنوع من التدليس على غيرهم.

أين هم من هذا الوسط الذي يدعونه؟ أم هم من الوسط قد فروا إلى التطرف!

أين هم من قوله تعالى «وجادلهم بالتي هي أحسن» (النحل:125)، أم هم خير ممن قيل فيه هذا الكلام؟

أين هم من قول الإمام الشافعي - رحمه الله: قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول المخالف خطأ يحتمل الصواب؟ أم في آذانهم وقر!

كل هذه النصوص وهذه الآثار عن السلف الصالح لا يلقون لها بالا، وعموا عنها وصموا، لأنهم اتبعوا الهوى مع مرض في قلوبهم فزادهم الله مرضا.

إن هذا المنهج والفكر دخيل على هذه الأمة، وهو بذلك يمثل خطرا يكاد يعصف بالأمة الإسلامية، وإني لا أبالغ إن قلت إن هذا المنهج والفكر أخطر من الشخص المتطرف الذي يقتل الناس بغير وجه حق - وإن كانوا في الإثم سواء، إذ إن الشخص المتطرف لا يمكن أن يقدم على الفعل من تلقاء نفسه، وإنما هو عبد مأمور لا يفعل شيئا إلا بعد أن يأخذ الأمر من هذا المنظر المتطرف الغالي.

علينا أن ننفض غبار الزمن عنا، ونستيقظ من سباتنا ونومنا الذي طال وأخشى أن يتحول إلى نوم عميق لا استيقاظ فيه، عندها نندم، ولات ساعة مندم.