محمد أحمد بابا

ريال قطر وريال مدريد

السبت - 07 يوليو 2018

Sat - 07 Jul 2018

من المؤسف جدا ألا تكون التجربة خير برهان، وألا تكون الحجة المادية داحضة الادعاء، وألا يتعظ الموغلون في إدمان الخطأ من نماذج التاريخ وصوره المماثلة، والمؤسف الأكبر أن تحاول اللعب مع الكبار دونما لاعبين كبار.

عندما تعاقد النادي الملكي ريال مدريد مع الفرنسي العربي زيدان وضع النادي لنفسه رؤية مستقيمة النظر معقولة الوصول رغم كل عقبات التجاوز وصعوبات التحدي، فأنفق النادي ماله في أمر واقعي مشروع حصد منه بطولات وشهرة واحتكارا تفوق فيها على نده برشلونة بشهادة الجميع في عالمي الكرة والمال والأعمال قاريا ودوليا.

الآن وما شأن الريال القطري بالريال المدريدي؟

هنا أقول: إن الريال المدريدي نفع وأنفق بسخاء بعد مجموعة بيوع لأصول النادي وأراضيه عام 2001، مما سمح له بشراء أفضل لاعبي العالم في دائرة ذهبية جلبت له الحظ والدخل، بينما الريال القطري رغم وفرته وكثرته وتناميه في ظل بيع غازه أو نفطه لم يعد على أرضية الملعب القطري ولا حتى بسلامة من مطبات السير أو انقطاع الكهرباء.

زرت قطر مرتين قبل عام 2017، وفي المرة الأولى أتيت محملا بكثير من التصورات البرجوازية الحالمة عن مساحة صغيرة ستكون مطلية بالذهب، مدارة بالتحكم عن بعد، مرصوفة بالتقنية، وفي أول يوم لي بفندق - لم أجد فيه من يتكلم العربية ولا وجدت لوحة إرشادية تحمل حرف الضاد - انقطعت الكهرباء في فندق الخمس نجوم وسط العاصمة فنزلت 13 طابقا عن طريق الدرج.

تعجبت جدا كيف يكون الريال القطري وهو لاعب موفور التواجد بين العملات غير قادر على أن تكون كهرباء هذه البقعة المحدودة من عجائب الدنيا الـ 17.

اليوم وقد مضت هذه المدة والريال القطري يلفظ أنفاس الحياة البرجوازية المستعارة، رجعت إلى الوراء لزيارتي الثانية لقطر، ولم يتغير شيء رغم سنة ونصف السنة فصلت الزيارتين عن بعضهما، ولاحظت كيف ينتقي الريال القطري مصروفات خارجية غير مفهومة، في ظل استحقاقات بنية تحتية لا تكلف كلها ربع ما يلهث وراءه الريال القطري خارج حدوده، وخرجت من قطر في الزيارتين ولم أتشرف وأقابل قطريا.

هذه المفارقة لم أكن لأستوعبها أو أفهمها أو أجد لها سببا لولا إزاحة اللثام عن آثام الريال القطري منذ سنة وتزيد، فتعجبت من قطر وهي الباذلة من ريال قطر الكثير لتحظى بتنظيم كأس العالم ولم تنظر ولو ببعض استفادة تجربة من ريال مدريد، فعالم كرة القدم عالم افتراضي للدول كما الفيس بوك عالم افتراضي للأفراد.

ريال مدريد زرع الابتسامة والفرح في ملايين عشاقه في العالم، بينما زرع ريال قطر ملايين الأحزان في نفوس ملايين البشر عن حكوماتهم ومقدرات شعوبهم، وريال مدريد شكل في ميزانيته كيانا قيمته أكثر من 3 مليارات دولار في اقتصاد مزدهر ينمو، وفي المقابل صنع ريال قطر عجزا في ميزانيته الأخيرة يفوق 7 مليارات دولار، وريال مدريد بشهرته العالمية ومكانته العالية هو من أمثل الأندية تعاونا وتكاملا وعلاقة مع كل أندية أوروبا والعالم، في موضوعية تنافس لم تخرج الفوز عن المستطيل الأخضر، وهذا هو ريال قطر جعل منافسته غير المشروعة وغير الشريفة لغيره تغوص في سراديب الدعم الخفي للزعزغة وشراء كلمات ظاهرها حق ويراد بها باطل، واستدعاء مهنية إعلام في صورة حياد داخل إطار مخططات لتمويل فتن وحروب، حتى بات ريال قطر من أبشع صور الدعم في العلاقات الدولية.

ريال قطر أخذته العزة بالإثم فانجرف مطبقا لسيناريو «مرجان أحمد مرجان» في فيلم عادل إمام الشهير، والذي امتلك من المال الكثير حتى اعتقد أن شراء كل شيء بالمال ممكن، حتى المكانة العلمية والشهادة الدراسية والجوائز الأدبية، لكنه اصطدم بجهان التي عرفت أن في أولاده خيرا، فلقنته درسا أجمل من كل أهداف كرستيانو رونالدو بريال مدريد.

شعب قطر الشقيق العظيم يدرك جدا أن الدفاع عن ريال قطر يكون بأهداف تسجل خارج مصيدة التسلل، يحتسبها الحكم المهني المحايد، مع الحفاظ على اللعب النظيف عنوان وضوح وشفافية تعاملات، ولو سلم ريال قطر من هوس الاعتياد على تمثيل السقوط في المنطقة المحظورة أملا في احتساب ركلة جزاء لاقتفى أثر الخليجيين ولحق بركبهم فنجى وانتصر.

يحزنني جدا ريال قطر الذي ينفق على صفقات خاسرة دونما فهم للدرس ولا أخذ للعبرة من تكرار الهزائم، ويعجبني جدا ريال مدريد وهو يعقد صفقات تريليونية تجلب له حصد بطولات وثراء خزائن، فأي الريالين أنفع؟

أجابني أحدهم بمثل عامي «ما فلحت تكنس بيتها تكنس بيت الجيران»، فقلت له بالعامية «علم قطر ترا الحل في الرياض».

albabamohamad@