أحمد الهلالي

برنامج سوق عكاظ الثقافي يصفع الثقافة!

الجمعة - 06 يوليو 2018

Fri - 06 Jul 2018

سوق عكاظ جوهرة ثمينة، وقصيدة أثيرة في وجدان كل عربي، أصبح اليوم بفضل عناية حكومتنا الرشيدة وجهة ثقافية وسياحية وترفيهية مهمة، ولأنه كذلك؛ وجب أن نحافظ جميعا على نصاعته وسطوعه، وأن يكون منارة ملهمة للمهرجانات المحلية والعربية (تصعد، لا تنحدر)، وإن كنت تحدثت في المقالة السابقة عن إهمال برنامجه الثقافي للأعراف البحثية الرصينة، فإني أخصص هذه المقالة، وربما غيرها، للحديث عن انتهاك البرنامج الثقافي لسوق عكاظ 12 للأعراف الثقافية، انتهاكا يقلل من وهج جوهرتنا العكاظية، ويلبد نقاءها القديم والفيصلي، بشوائب ليس من السهل أن تنجلي.

من المعلوم أن عكاظ لكل أبناء الوطن، ولعمقه في وجدان الثقافة العربية ودوليته المعاصرة، أصبح المثقف العربي يتطلع بشغف إلى شرف المشاركة في عكاظ، وبحكم الجغرافيا فإن لمثقفي الطائف حقا معلوما في المشاركة في فعالياته، لكن القائمين على السوق تجاهلوا هذا الحق، فضربوا بالمؤسسات الثقافية بالطائف عرض التهميش، وفجاج الإقصاء، فلم يشارك النادي الأدبي بالطائف في برنامج عكاظ الثقافي لا فعلا ولا استشارة ولا ترشيحا، ولولا أن مدت هيئة الثقافة يدا لجمعية الثقافة والفنون لما توهجت (خيمة تعاكظ).

من واقع البرنامج الثقافي للسوق هذا العام أوثق الملاحظات الآتية، وأتركها للعقلاء والمنصفين، فأنا لا أستهدف بمقالتي هذه العاطفة، بل أوجهها إلى العقل الموضوعي المتجرد، وستكون الوقفة الأولى على الأخطاء التنظيمية:

ـ تجاهل وتهميش جميع مثقفي ومثقفات الطائف من خارج الجامعة القائمة على البرنامج الثقافي، وانعدام التواصل مع المؤسسات الثقافية، ورموز الطائف الثقافية، وخلو البرنامج من الجميع (بحثا، شعرا،/‏ إدارة ندوات)، ويجب على مؤسساتهم أن تطالب بإنصافهم.

ـ (من غير المساس بقدرهم) فقد تكررت سبعة أسماء شاركت العام الماضي، وغيرها أسماء كثيرة مكرورة من داخل المملكة وخارجها شاركت في أعوام قريبة سابقة، مما يدل على ضعف ذاكرة السوق، وتكاسل المنظمين عن مراجعة برنامج العام الماضي على قربه.

ـ الطامة الكبرى، مشاركة باحثة عربية (عضو هيئة تدريس بالجامعة سابقا) في ندوة، ومشاركة ابنتها في ندوة اليوم التالي، كأن المعرفة مقصورة على هذه الأسرة، وربما يأتي هذا ببركات رؤيا (السنبلة).

ـ مكافأة بعض أعضاء اللجان بالمشاركة في الندوات أو تقديمها سواء من داخل الجامعة أو خارجها، دون التفات إلى آخر مشاركة لهم، والعرف الثقافي القويم ينأى بالمنظمين عن حشر أسمائهم في فعالياتهم.

ـ وضوح هيمنة العلاقات الشخصية وتأثيرها على الاختيارات، فحتى ضيف الشرف مصر جاء أغلب ممثليها من الجامعة، أو شخصيات معروفة زارت عكاظ سابقا.

ـ عضو اللجنة الإشرافية العليا من خارج الطائف شاركت مرتين (تباعا)، وعضو اللجنة الإشرافية العليا رئيس نادي الطائف الأدبي لم يرتق منبر عكاظ منذ خلق، فأي معيار عدالة يقر هذا الصنيع؟!

أما الملاحظات الأخرى على البرنامج، فهي على النحو الآتي:

ـ من غير المنطقي أن تترك اللجنة الثقافية افتتاح المهرجان عاريا من رداء الشعر العربي الذي نسجت عباءة عكاظ من تفعيلاته.

ـ من غير المنطقي غياب محور (الشاعر السعودي) في مهرجان الشعر الأبرز الذي تنظمه وتموله المملكة العربية السعودية، فقد دأب عكاظ على إضاءة شاعر قديم، وشاعر سعودي، كان آخرهم حمزة شحاته في عكاظ 11.

ـ من غير المنطقي أن يطرح البرنامج شاعرا عراقيا (البياتي)، وضيف شرف المهرجان دولة مصر العربية، فأين أهرام مصر الشعرية؟

ـ من غير المنطقي أن يتقصى عكاظ تجارب الشباب الثقافية في كل المملكة، ويقصي تجارب شبابية بجواره في الطائف. ربما لأن المنظمين لا يرونها شيئا، أو لا يعلمون عنها، والمؤسسات الثقافية مغيبة.

ـ من المنطق أن يجتمع أربعة متحدثين مصريين في ندوة واحدة، ومدير الندوة مصري، فمصر ضيف شرف المهرجان، لكن غير المنطقي أن يتحدث الضيوف المصريون عن (ليلى الأخيلية) فهل هي (أمل دنقل، أم صلاح عبدالصبور)!!

هذه الملاحظات (وغيرها) لا تليق بعكاظ، ولا تليق بالوطن المنخرط بكل تفاصيله في رؤية 2030، دفعتني غيرتي على عكاظ، وغيرتي على الثقافة، وغيرتي على الوطن إلى كتابتها، ومن قبلها دفعتني إلى الاعتذار عن المشاركة، فلا يجب أن تسلم هذه الأيقونات الثقافية الكبرى إلى غير أهلها الحقيقيين، المشهود لهم بالعدالة والحرص والخبرة وبعد النظر، والأهم من ذلك تجاوز الذات وما تسوله الأنفس إلى المقاصد العليا والمصالح الكبرى للثقافة والوطن، وإخضاع كل الخيارات إلى التمحيص والمراجعة والتدقيق، والمناهج العلمية والأعراف الثقافية الرصينة، والله من وراء القصد، وهو بصير بالعباد.