محمد أحمد بابا

الموضوعية ووحدة المفاهيم

السبت - 30 يونيو 2018

Sat - 30 Jun 2018

ونحن صغار كنا نلعب، فإذا أغاظنا لعب أحدهم شكوناه إلى والده العصبي بتهمة لا علاقة لها باللعب.

وفي المدرسة كان بعض معلمينا إذا أغاظه طفل حلف بالله ليصعبن الأسئلة في الاختبار على كل الطلاب فضربوه.

وتخاصم جيران بسبب وقوف سيارة أمام باب أحدهم فقام جار بشكوى جاره أن لديه خادمة منزلية ليست على كفالته.

وصبغت «كوافيرة» شعر سيدة بلون لم يرضها فأبلغت تلك السيدة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن بالصالون مخالفات أخلاقية.

وخطب إمام مسجد خطبة جمعة تحدث فيها عن النجش والغش في معارض السيارات والغبن والظلم، فتبرع صاحب معرض بإبلاغ وزارة الأوقاف بأن الإمام يغيب عن صلاة العصر كل يوم.

وحين لا ترد إحداهن على رسالة خاصة من أخرى في أي وسيلة تواصل، تعاجلها رسالة أخرى تتهمها خلقا ودينا.

حتى حين تكتب رأيا لا يوافق مزاج صاحب شهرة تأليب سيجتمع عليك من يقول لك: احتفظ برأيك لنفسك، وتذكر أنك يوم كذا ساعة كذا بتاريخ كذا كنت تهرب من المدرسة.

فمن أين إذن تأتي الموضوعية والمفاهيم مفككة حول تحديد دائرة الخلاف، وتحرير حدود المقاضاة، ووضع علامات لموطن الموضوع؟

لذلك لو تقارب مفهوم التميز عند من يصدر أحكاما بذلك أو من ينتقي بناء على ذلك لاستمر عطاء المميزين.

ولو التقى مفهوم الحرية عند كل من يتحدث عنها أو يحلم بها أو يمارسها لكانت الحرية شهادة ميلاد.

لو تجانست مفاهيم الأفراد تجاه العمل التطوعي بقدر مرض لما وجدنا من يشكو تأخر خدمات.

ولو اتحدت مفاهيم كثيرين عن الحب لقطفنا زهور رمان من أفواه بعضنا البعض ونحن نتحدث.

ولو اقترب مفهوم الدين من مفهوم الديانة لاختار أغلب الناس طريقا يلتمسون فيه أرواحهم.

ولو اجتهد مدربون على تدريبات جمعية لإكساب المتدربين مهارات التقاء المفاهيم لانفرجت أزمات.

لو كان الساعون إلى الصلح بين الناس أصحاب قدرات في تفكيك المفهوم وجمعه بأجزاء من فهم آخرين لقل المتقاضون.

ولو تعلم أغلبنا التحليل لالتقى مفهوم الصدق مع مفهوم المعلومات وخشي الكذابون مغبة كشفهم.

لكنني وجدت أننا بالفعل نحتاج أن نلتقي لفهم «المفهوم» حتى نأمل أن نلتقي في «المفهوم»، وتلك معضلة لكن حلها سهل لو رغبنا.

ابتعدنا - مع الأسف - كثيرا عن موضوعية طرح أو حكم على شيء أو حوار أو خلاف، بل حتى تجاذب أحاديث، فدخل الشك القلوب وسكن الأهواء وانبرى يتحالف مع الشيطان، فانحسر حسن الظن واختلطت النصيحة بالتشهير، والمعلومة بالشائعات، والنكاية بالشهادة، ولم نعد قادرين على فهم غالب الأشياء.

albabamohamad@