هيفاء محمد العمري

حياد

الجمعة - 29 يونيو 2018

Fri - 29 Jun 2018

الحياد هو الهروب المنمق الذي لا يترك خلفه أثرا قد يوقع صاحبه في أزمة مواقف مع من حوله، ويحفظ هذا المسمى كرامة فخمة - غالبا - لمن يتمسك به حتى ولو كانت المواقف لا تقبل التحييد - عند البعض - مع كامل الحق للطرف الآخر بالاعتراض، ولكن دون اجتياز حاجز المسمى السامي لفعل الحياد المتجمد.

الرمادي هو لون الحياد الوحيد، فهو يقف بلا مشاعر بين الأبيض والأسود، غير آبه بنصاعة المواقف حوله، كأنه يحفظ الاتزان أو يمنع الوصول إلى الغليان، وقد نظن به سوءا لولا أننا نعلم جيدا أنه قد يحفظ الهدوء وقتا أطول، ويجعل كفتي الأبيض والأسود في حالة تأرجح متعادل، ووقت طويل للتفكير.

هناك بعض القضايا خلقت من مواد لا تقبل التفاعل مع الحياد كالوطن والحب، فالحياد فيهما «خيانة» لن يقبل تبريرها، وسيكون عليك تسجيل موقفك إلزاميا وعلنيا، فالإنسان لا يعيش حرا بدون كرامة، والوطن هو الكرامة، ولن تكون ذا ضمير بلا إنسانية، والحب هو الإنسانية، والبقاء للكرامة والمجد للإنسانية.

على الرغم من أن عدد دول العالم يبلغ المئتين، إلا أن ثمانية منها فقط تقع على جزيرة الحياد، اختارت أن ترمي السلاح خارج حدودها، وقلمت المخالب أمام العالم وبمصادقته، حروبها مع كل عائق اجتماعي وفكري داخلها، جيوشها حاشدة علميا واقتصاديا. قد يقول من يعشق «الملاحم» التي لا تهدأ بأن حيادهم جبن مستتر، وأن تلك الـ 192 دولة المتعطشة لجمع السلاح وتدريب الجيوش لن تتجاوزهم عندما يحدث الأسواء للمرة الثالثة في هذا العالم! مسكين ذلك الإنسان فهو لا يميل على جانب الطريق ويضع سلاحه حتى يفكر كيف يعيش للسلام لا للحرب.

صعب هو الحياد بقدر ما نراه من بعيد، بارد، غير مبال، يتهم صاحبه بخزي الصمت إذا ضجت الصرخات، وقدره دائما إلى جانب القضايا المتشابكة، والإعلان عنه يتطلب شجاعة مختلفة، ولدت بعد جلسة مع العقل على طاولة الواقعية، وقدر من الشفافية قد يكون حكمة، أو أنانية، وقد يكون ضرورة حتمية في زمن فيروس التصعيد وسباق التسلح.