السرير الأبيض

الجمعة - 29 يونيو 2018

Fri - 29 Jun 2018

عندما نرقد على السرير الأبيض ونرمي بأجسادنا المنهكة من شدة الوجع ومرارة الألم والتعب، لاحول لنا ولا قوة إلا بالله، نبحث عن شعاع الأمل بين جنبات المكان، وفي أروقة الممرات، وفي وجوه المارة والعابرين، نبحث عنه بين السطور، وبين قراءات الأطباء والممرضين، بين ضحكاتهم، وهمساتهم، ونتمنى أن يتناقلوا شيئا مفرحا يعنينا، فلحظات الشدة والألم نعيشها بين الرجاء والخوف، وبين الأمل واليأس، فهي تحصر الدنيا أمام عينيك لتريك كم هي صغيرة لا تساوي جناح بعوضة أمام لحظة ألم تعيش قسوتها بكل جوارحك وأحاسيسك، وبكل خلايا جسدك.

تقف أمامها عاجزا صامتا، إلا من آهات الألم والأنين، لا تقوى أمامها على شيء، إلا أن تستسلم لما كتبه الله لك من أقدار، فهي تعيد فرمتة جسدك، وتشكيل حياتك بما هو أفضل إن أردت ذلك وأيقنت أن الجميع متساوون في الحياة، فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا لغني على فقير، إلا بالتقوى. وأكبر دليل على ذلك مساواتنا ونحن على السرير الأبيض وقد رمينا كل شيء خلفنا، ولم يبق معنا سوى إجسادنا والألم نتساوى فيهما، ومساواتنا بعد موتنا تحت التراب بأجسادنا، هي أعمالنا فقط ما يبقى معنا وينفعنا.

تلك اللحظات كفيلة بتغيير حياة الإنسان وما جبلت عليه نفسه من الغرور والعظمة والتكبر، فهي تعطي درسا عظيما لمن ابتلي بذلك بأن القوة لله وأن الشافي هو الله، فلا تكبر، ولا طغيان، ولا ظلم، ولا بهتان، وأن الدنيا كما تدين تدان وأن الجزاء من جنس العمل، فمن كان علمه وعمله صالحين بات مطمئنا مهما أصابه من أقدار الحياة، وليعلم أن الله قد ابتلاه لمحبته له وتنقيته من الذنوب، ومن كان غير ذلك، فتلك اللحظة العصيبة تعطيه درسا بأنه عبد ضعيف تحت رحمة الله، ولا أحد يستطيع أن يشرح له ذلك سوى لحظة الألم التي يشعر بها ويعيش تحت وطأتها، فهي كفيلة بذلك.

وما قد يكون أشد إيلاما هو حينما نشعر بألم من بجوارنا على سرير المرض، عندها تتلاشى كل أوجاعنا وآلامنا من شدة ما هو فيه من وجع، فعندما يصرخ من قسوة الألم ويئن فهذه اللحظة كفيلة بأن تنسيك آلامك ومتاعبك وما أنت فيه من حال، فتبحث عن مخرج، عن وميض أمل لمغادرة المكان بعد ما اكتشفت في تلك اللحظة أن هناك من يفوق ألمه حد الخيال، وأن آلامك ليست إلا نقطة في بحر آلامه، فهناك تفاوت في درجات الوجع والصبر، كما أن هناك تفاوتا في درجات الأجر والثواب، وسيجزي الله الصابرين بصبرهم.