حسن علي العمري

الآثار

الثلاثاء - 26 يونيو 2018

Tue - 26 Jun 2018

منجزات إنسانية تاريخية شاهدة على الأجيال والزمن، ومصدر من مصادر توثيق التاريخ البشري كراصد لحصيلة هائلة من التجارب والخبرات والمواقف التي تعطي الإنسان القدرة على معرفة ماضيه ومواجهة حاضره بمكونات ممتدة إلى أعمق جذوره.

ويأتي على الآثار وقائع اعتداء كالتهريب والسرقة والتدمير، ولا سيما إذا ارتبطت بأفكار أيديولوجية متطرفة تسعى لطمس هويات الأوطان والأمم ومحو ذاكرتهم، فكان لا بد من وضع القوانين الحامية لهذا الإرث التاريخي البشري وفق سياسة تشريعية جنائية تجرم الاعتداء عليها أو تهريبها أو تشويهها حماية للقيم الأدبية والمادية التي تحويها. وتحرص الدول على إنشاء هيئات أو وزارات ذات شخصية اعتبارية تختص بحماية الآثار والتراث مع البحث والتنقيب عنها وتحديد المواقع الأثرية وتطويرها وإصدار التراخيص اللازمة لها وتنفيذ القوانين الخاصة بها، لتشكل عاملا ثقافيا أساسيا مهما لصنع الحضارة وبلورتها بمعطيات تتمسك بها الأجيال وتتناقلها جيلا بعد جيل.

ويعتبر أثرا كل شيء خلفته الحضارات أو تركته الأجيال السابقة سواء كان عقارا أو منقولا يتصل بالفنون أو العلوم أو الآداب أو العقائد أو أي حدث ومنها الوثائق والمحفوظات.

وقد عرفها المشرع السعودي بأنها الأعيان الثابتة والمنقولة التي بناها أو صنعها أو أنتجها أو كيفها أو رسمها الإنسان قبل مئة سنة فأكثر وقد تكونت لها خصائص أثرية بفعل عوامل طبيعية قديمة، وتجمع عقوبة جرائم الآثار وحدة المصلحة التي يسعى المشرع لحمايتها بنصوص التجريم وهي مصلحة الدولة المتعلقة بالحفاظ على سلامة آثارها وعدم المساس بالكيان الثقافي والحضاري للمجتمع وهويته التاريخية.

فسرقة الآثار ليست سرقة عادية محدودة الأثر، بل هي بالغة الخطورة ومتعدية تطال حق الوطن كاملا، بل تطال الأمم البائدة واللاحقة عندما تنقلها إلى مجتمع آخر لا علاقة له بها، فضلا عن كون هذه الجريمة من الجرائم المنظمة والعابرة للوطنية ولا تتم إلا عبر جماعات إجرامية عالية التنظيم ومحددة البنية تمارس عملا مدبرا يهدف لارتكاب جريمة أو عدة جرائم للحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على صفقة مالية أو خلافها.

وتعد الآثار إرثا إنسانيا للبشرية جمعاء، ما يظهر حجم الاهتمام العالمي بها وحمايتها، وبالتالي فلا بد من التمسك بمبدأ عالمية قانون العقوبات بتفعيل الاختصاص الشامل للحماية الجنائية خروجا على مبدأ إقليمية القانون الجنائي واختصاصه المكاني والزماني والولائي ليمكن أن تطال يد القانون كل مجرم في أي مكان حتى لا تمنع أو تحول قواعد تسليم المجرمين دون تسليم أي شخص تورط في جريمة من هذا النوع لأي دولة أخرى، إذا اعتبرت هذه الجريمة أنها جرائم دولية تبدأ في إقليم دولة ثم تتجاوزها تهريبا لانتهاك حدود دولة أخرى بالتهرب الجمركي أو الحيازة غير المشروعة أو خرق أي قانون فيها بأي صورة تؤدي للإخلال بسيادة الدولة وقدرتها على بسط قانونها على إقليمها.

ويجري الشروع على جرائم الآثار شأن الأفعال الجنائية الأخرى ويشمل ذلك المراحل السابقة للتنفيذ، ومنها التفكير والتخطيط والتحضير والبدء في التنفيذ، فيما لا يعاقب الفاعل على المرحلتين الأوليين إذا توقف النشاط الإجرامي عندهما، ولكن المرحلة الثالثة وما بعدها معاقب عليها وفقا لقواعد العدالة العامة.

وتعد جريمة الاعتداء على المواقع الأثرية من الجرائم الإيجابية التي تتم من قبل شخص طبيعي أو معنوي بالإضافة إلى أنها من الجرائم المستمرة وليست المؤقتة ولا تنتهي إلا بتوقف هذا الفعل.

تنقسم جرائم الآثار من حيث نوعها إلى قسمين: جرائم الآثار المختلطة والمنصوص عليها في قوانين حماية الآثار، والجرائم الآثارية العامة لتعلقها بالحفاظ على الآثار وحمايتها لاعتدائها على مصلحة آثارية محمية جنائيا.

يتم التحريض في جرائم الآثار بحالتين، هما خلق فكرة الجريمة في ذهن الجاني، وحثه وشد عزمه على تنفيذها.

المساعدة اللاحقة للجريمة لا تعد وسيلة اشتراك في تنفيذ الجريمة، ولكنها جريمة مستقلة قائمة بذاتها كإخفاء الآثار المسروقة أو عرضها للبيع بطرق غير نظامية.

من صور الاعتداء على الآثار الزراعية في المواقع الأثرية: السكن فيها، إنشاء المناجم أو المطاعم عليها، إقامة المقابر فيها، تخزين النفايات أو الأتربة، شق الطرق أو شبكات الري أو مد أسلاك فيها.

[email protected]