مرزوق تنباك

آخر الممنوعات

الثلاثاء - 26 يونيو 2018

Tue - 26 Jun 2018

يقال: كل محجوب مرغوب، واليوم ينتهي آخر المحجوبات والممنوعات التي بقي المجتمع السعودي يلوك حولها الأحاديث منذ أكثر من ثلاثين سنة، ولم يكن له هم ولا حديث غيرها. طال الجدل وثار حولها الخلاف واشتبكت أقلام وأعلام، وحرمت مرة وجرمت مرات أخرى حتى أصبح بعضنا يظن أنه لا توجد قضية أهم وأولى من قضية السماح للنساء في المملكة بقيادة السيارات رسميا، كأنه لم يعد للمجتمع شغل ولا مشكلة تواجهه غير حل هذه المشكلة.

ولم تكن قيادة المرأة للسيارة هي المطلب الذي طال الجدل حوله واستعصت حلوله على الناس أو كادت، لكن معها جاءت قضايا ومطالب لا تقل أهمية عن القيادة ومنغصاتها، من تلك المطالب ما يخص المرأة غير القيادة وما هو أهم منها، وهي الوظيفة والعمل في القطاع الخاص وقطاع التجزئة وفي التجارة والأسواق بوجه عام وفي كل مكان يعمل فيه الرجل وتمنع من العمل فيه النساء، وهي حق محجوب عنهن وممنوع عليهن ومحرومات منه إلا في أضيق نطاق وفي مجالين لا يتيحان أمامهن كثيرا من الفرص، هما مجالا الصحة والتعليم على تردد وامتعاض من أهل الممانعة حتى في هذين المجالين.

استمرت قضايا المرأة ساخنة واستمر الجدل حولها سنوات طوالا، وتعسرت في كثير من الأحوال الحلول المناسبة أو كادت، وتعثر الوصول إلى اتفاق بين الذين يحددون للمرأة حدودا هي البيت وتربية الأولاد، ويجب في رأيهم ألا تتجاوز تلك الحدود، وبين الذين يرون أن النساء شقائق الرجال، وأن من حقهن العمل والتعليم وقيادة السيارة وكل عمل مشروع، وأن كل مجال يقوم به الرجل من حق المرأة أن تعمل معه فيه، وأن حدها في مجال ضيق يحرم الوطن استغلال نصف المجتمع المعطل في رأيهم.

كان الموقف الرسمي خلال المرحلة الماضية يحاول إمساك العصا من وسطها، وحين يرى كفة أحد الفريقين تميل لصالح الفريق الآخر يتدخل لضبط التوازن، فيرضي الناس الذين يرفضون العمل المشروع للمرأة، وأولئك الذين يطالبون به. بقي المجتمع مشغولا في هذه الدوائر التي تخص النساء؛ العمل في الوظيفة العامة، القيادة للسيارة، العمل في الأسواق والتعليم، وغير ذلك.

ومع أن هذه المعضلات التي كادت تستعصي على الحل عندنا قد ضخمت ووضعت في غير موضعها ولا يوجد لها مسوغ ديني ولا اجتماعي يمنعها أو يحرمها، وحتى أشد المعارضين لها لا يستطيعون أن يأتوا بدليل واحد يحتجون به على المنع والاعتراض غير العادة والتقليد وسد الذرائع، وكلها حجج داحضة أمام الواقع الذي يعرفه الناس ويعيشونه، ولأنها كذلك فقد كان حلها أسهل مما كنا نتصور، وكان حل هذه القضايا التي تقلق المجتمع وتثير خلافاته وحزازاته ومشكلاته أولى من الاجتهاد الخاطئ الذي حرم نصف المجتمع المشاركة في بناء الوطن والمساهمة في تطوره، وحرمه من أن يعمل فيما يحسنه من عمل شريف مشروع.

لم يكن هناك أكثر من كلمة حازمة من ولي الأمر ورأي صائب من صاحب القرار والقيادة الرشيدة بإعطاء كل ذي حق حقه، فماذا حدث؟ لم يحدث شيء من كل تلك المحذورات المتخلية، ولم يفقد المجتمع قيمه التي كان الممانعون يخوفونه بها، مضت القضية التي شغلت الناس بسلاسة ومرت بسلام.

مضت ثلاثة أيام بعد أن ودع المجتمع آخر هذه الموانع وتركها وراء ظهره ونظر إلى مستقبل واعد ومجتمع يعمل بكل طاقاته وفئاته للعمل الحر والكسب الشريف والتكامل الاجتماعي، والأبواب مفتوحة أمام الجميع والمساواة قائمة بينهم رجالا ونساء بدون ممنوعات متوهمة وبدون اعتراضات أو وصاية على أحد.

@Mtenback