محمد أحمد بابا

نأمركم بالمعروف يا هيئة الأمر بالمعروف

الاحد - 24 يونيو 2018

Sun - 24 Jun 2018

منذ انطلاق رؤية 2030 وكل الأجهزة الحكومية عرضة للتحسين والتطوير والتغيير والتبديل، وإلغاء أنظمة وإقرار أخرى، ومع كل ذلك لم نلمس أبدا خللا في جهاز ضم لآخر، ولا جهاز فصل عن آخر، ولم نلاحظ إشكالا في نظام جديد اعتمد، ولا فقرات من آخر حذفت ونحو ذلك.

والكيانات المؤسسية الحكومية واحدة على التساوي أمام سلطة التشريع وتنظيم الإدارة والقيام بالخدمة المنوطة بها دونما استثناء، وفقا لما نعلمه من دستور وطننا الحبيب وتوجيهات قيادته الحكيمة.

فما بال جهاز عظيم أوكلت إليه نوعية حساسة من خدمة المجتمع تتعلق بصناعة الوعي الخيّر نحو المعروف، وكشف حقيقة السوء والضرر نحو المنكر، نراه اليوم متخذا استراتيجية (يا تلعبوني يا أنام)!!

كل قارئ لتنظيم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الصادر قبل فترة طويلة يستغرب تماما من نهج هذا الجهاز بعد التنظيم وإقراره، وكأنه يوصل رسالة للمجتمع بأن لا مجال لتقديم الخدمة إلا بالطريقة الملغاة بالتنظيم، وأنه سيظل جهاز دوام يومي دونما فعالية مرجوة منه، وبذلك ربما ظن بعضهم أن قناعة المشرع ستتغير لمبتغى المنفذين.

هنا أقف وأجد - كما وجد كثير من الآمرين بالمعروف عبر حقبة زمنية عشناها - أن واجبنا هو الأمر بالمعروف لهيئة الأمر بالمعروف، في هدوء وحب وإكرام وتذكير، لنقول لها: إن موضوع خدمتك للمجتمع أكبر بكثير من أخطاء حماك منها المشرع النظامي بعد الله تعالى، وإن مجال عملك أوسع بمساحات من حيز نهر أو ضبط أو مضايقات، فالعالم اليوم مبني على برامج وخطط تنفيذية تستخدم التسويق والتشويق، وتدرس الأنماط والنفسيات، وتبحث في التوجهات المجتمعية والتفاعلية.

ونقول لها: إنك تعرفين مجال نشاطك المطلوب منك، وبذلك أصبح من المعروف من باب اسم المفعول المشتق من (المعرفة) التي هي عمدة المطالبة بعد حدوثها.

أين هو واجبكم تجاه تبيين المعروف كمعنى عظيم وافر المعاني والمرامي في كل ما يخدم حياة الناس ويحض عليه الدين من باب «وتعاونوا على البر والتقوى»؟

فالترابط الأسري وتعامل الأبوين مع أولادهم والعنف تجاه الصغار أو باسم الولاية وعضل النساء ومشاكل ظلم اليتيم وتهميش ذوي الاحتياجات الخاصة كل ذلك فيه من متطلبات الأمر بالمعروف ما يحتاج جهازكم الجليل.

وبالاستقصاء نجد أن كثرة الخير ووفرة الطيّب تحسران السوء والشر، والكأس الفارغ مملوء هواء أو مكسور أو يستخدمه غيرك بما يشاء، وترك ساحة العمل مواربة وهلامية أفعال بحجة عدم الصلاحيات بات واضحا للعيان بأنه هروب من المسؤولية وتقاعس عن الواجب التوعوي الحضاري المنظم المقبول.

وددت لو انبرى مجلس الشورى وهو الجهة المنوط بها مساءلة ومناقشة الأجهزة الحكومية لفتح باب المداولات والمحاسبة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منذ التنظيم الجديد حتى الآن، مساءلة تختلف عن سابقتها فيما كان يظهر من تجاوزات، ومحاسبة عن الأداء والبرامج والإنجازات والسقف المرضي - على الأقل - من مردود ميزانية مالية وبشرية عظيمة يمتلكها هذا الجهاز. أروني ماذا صنعتم؟

الصلاحيات المعطاة للهيئة كبيرة، فكلنا قادر على الاطلاع على نظامها الأساسي، وتعديلات تنظيمها، وشروحات وتفسيرات مهامها بشكل لا يدع مجالا للاختلاف والتباين.

وسواء بقيت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كيانا مستقلا أو ضمت لكيان آخر مثل وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد يظهر للسطح أن هناك خللا بشريا في تعاطي مسؤوليها مع واقعنا المجتمعي المعاصر وما نحن بصدده من تحديات في التحول والتطوير.

وبدا لي ربما أن هناك تأخرا كبيرا في التواؤم مع تقديم الخطاب الديني والخدمة الشرعية المتطورة لما هو مستهدف من خدمات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الكل يعلم في التخطيط الاستراتيجي أن رسالة المنظمة ليست اجتهاد رئيسها ولا مزاج موظفيها ولا فلسفة معاني اسمها ومسماها، بل هي توصيف مشرع وتكليف صاحب صلاحية في حدود عمل، من تعداه فقد ظلم وتجاوز، ومن قصر فيه وأنقص فقد تقاعس وأخطأ.

فالأمر والنهي في اسم هذا الجهاز الحكومي - في اعتقادي - ليسا ذات حدود تفسير الأمر والنهي في مصطلح الأصوليين، وتلك هي دائرة الحصر التي ربما أغفل معها من يعمل بها الرجوع إلى نصوص النظام والتنظيم ليعلم وصفه الوظيفي الذي به يخرج من ربقة المساءلة إن هو أداه.

حقيق على الهيئة المبادرة إلى التعاون مع مجلس الشورى وهيئة الخبراء والجامعات والوزارات التي تتقاطع معها في الأهداف لبحث إمكانية إصدار دليل لتحرير المنكر والمعروف، وحصر نواحيهما تدارسا آمنا يسهل معه استثمار الطاقات الإنسانية الموجودة في هذه المؤسسة الحكومية الأصيلة.

مشاهدة الأداء الباهت غير المبرر للهيئة في الآونة الأخيرة، وشحّ توعية وتذكير في حكمة وموعظة حسنة ولين جانب ورحمة خطاب يضعان آلاف التساؤلات في ظل صريح التنظيم ووضوح القرارات، فالخروج بهذه الهيئة لتكون مؤسسة اجتماعية سهل وميسر ومطلوب.

albabamohamad@