محمد أحمد بابا

حلال المشاكل

السبت - 09 يونيو 2018

Sat - 09 Jun 2018

يستغل قطعة صلبة من رصيف ارتفع عن الأرض بمقدار يسمح له بمد رجليه المتفطرتين بفعل السير في نفس الاتجاه، ويقبض بين أصابع يده اليسرى على سبحة عتيقة ويده الأخرى اعتادت على هرش بقايا الشعر في رأسه الذي يزيح عنه قبعة شرقية يمينا ويسارا في حركة دؤوبة من جراء التفكير المزدحم في ذاكرته التي تفرز حلولا لأي مشكلة استعصت على الناس.

جلست بجانبه فلم يعرني اهتماما إلا عندما قادني فضولي لاختبار أفكاره المزعومة التي سمعت عنها في الحي المجاور عندما كنت أبحث عن شيء مبتكر أكتب عنه أو أتعلم منه. سألته بصوت منخفض عن ظاهرة الاحتباس الحراري واتساع ثقب الأوزون في الغلاف الجوي للكرة الأرضية، فأخبرني أنه عرض على المسؤولين أكثر من مرة أنه متبرع بأن يحمل لذلك الثقب ويعمل بوابا هناك، فلديه القدرة كما يزعم على بلع أي غاز يأتي منه ليستغني عن تدخين غازات مصنعة.

أما الاحتباس الحراري فهو يقترح أن يبدأ العمل في إنشاء ثقب آخر في الجهة المقابلة لثقب الأوزون يرفس هو إليها أي حرارة زائدة.

سألته عن مشكلة ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والغذائية على وجه الخصوص وكيفية التعامل معها، قال: الناس انشغلت عن تقديم القرابين زمنا طويلا فارتفعت هذه الأسعار تعبيرا عن عدم رضاها عن نسيان التذلل والخضوع لها، فلا بد أن تعود الناس لتقديم قرابين أعظم وأكبر مما هو معتاد في العصور القديمة حتى تصل للحد الذي تقتنع فيه الأسعار بالهبوط أو تمد يد الرحمة وترفع الناس لمستواها.

قلت له: وماذا يمكن أن يصنع العالم في معضلة الإرهاب؟ قال: هم في خطى حثيثة ومباركة لإغراء هذا الشاب الذي يسمى الإرهاب بالشقراء الحسناء التي تسمى الفتنة ليكون لهم فضل (توفيق رأسين في الضلال)، فإذا انشغل هذا الشاب المفعم حيوية ونشاطا بدلال حبيبته وعشيقته ستخور قواه يوما ويغدو أحد ضحايا (الغرام) ويرقد في وقت من الأوقات بجانب قيس بن الملوح.

أغرتني تخاريفه هذه أن أستوضح منه رأيا حصيفا عن مشكلة دارفور، فتبسم الرجل عن فم فقد جميع أسنانه، وقال: أنا مقتنع بأن الاسم نفسه يدل على الحل، فالكلمة باللغة الإنجليزية (DAR) تعني اختصار (بنات الثورة الأمريكية) وكلمة (VOR) تعني (نصح) لذلك فالأمر يحتاج لترمب لتهدأ الأمور.

وحين تأكد لي أن صاحبنا هذا يهذي بأشياء تشبه أحاديث (المساطيل) في أفلامنا العربية في الثمانينات اشتقت لأن أسترسل في جذب مزيد من الحزم الأسطورية في مخزونه المعرفي، فعاجلته بإشارات سريعة كانت أولاها عن الإنترنت، فقال: هي سعي للسيطرة. قلت: وارتفاع النفط. قال: كلما زادت قيمة الإنسان انخفض النفط، وكلما قلت قيمة الإنسان ارتفع النفط، فالبترول إنسان قديم. قلت: حوار الأديان، همس في أذني بأنه دون أكفاء له هو حوار الطرشان، قلت: والإيدز، قال: هو حصان أسود في رهان غطرسة الإنسانية بأنها تملك مفاتيح العلوم، يبقى ليذكر العقل البشري بعجزه. قلت: ومجاعة أفريقيا؟ قال: سيقتنع أهل الصين بأن لا حل لزحام الأنفس هناك سوى هجرة لغابات وأدغال أفريقيا يرثون أرضهم وديارهم فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده. قلت: والعولمة؟ قال: هي إعادة ترتيب الأوراق لينتهي العالم.

مل الرجل من أسئلتي المتوالية وقاطعني بأنه رآني من قبل بعد أن رفع حاجبيه الذين كانا يحجبان نصف الرؤية عن عينيه الضامرتين. قلت: لا أعتقد فأنا أتيت لهذه المنطقة للتو ولم أزرها في حياتي من قبل، ولكي أشغله عن حدسه الخاطئ فاجأته بسؤال عن رأيه في مشكلة فلسطين، غضب الرجل وقال: أنت تعلم أنني لا زلت أذكر المرة الأولى التي قابلتني فيها وأخبرتك أنني لا أتكلم في السياسة.