وقت بدل ضائع

الأحد - 03 يونيو 2018

Sun - 03 Jun 2018

في كرة القدم يحتسب الحكم وقتا بديلا للوقت الضائع في المباراة، وهي الدقائق التي ضاعت في غير لعب الكرة لكي يتم تعويضها في آخر المباراة قبل إطلاق صافرة النهاية. كم تمنيت أن نحظى بذلك في حياتنا لنعوض كل ساعة أضعناها، ولكن مع الأسف في الحياة ليس هناك وقت بدل ضائع.

يقول الشاعر:

وما أقبح التفريط في زمن الصبا

فكيف به وهو للرأس شاعل

ترحل من الدنيا بزاد من التقى

فعمرك أيام وهن قلائل

هذا ما يصعب على الإنسان إدراكه أن عمره مجرد أيام تمضي وهو لا يشعر، لحظات تنقضي وهو غافل،

فالوقت الذي يمر لا يمكن استعادته ولا حتى تعويضه.

وإن كان الوقت الضائع لا يعوض نظريا إلا أن الإنسان قد ينجح في مصالحة نفسه بعمل يولد شعورا بالرضا وإقناع النفس، فلو أن الإنسان أضاع كثيرا من وقته في أمور لا تعود عليه بالنفع في دنياه وآخرته، وأتى في الغد فقرأ شيئا من القرآن ووصل رحمه وساعد محتاجا وأخلص في عمله أو قرأ كتابا، وتبرع بدمه، سيشعر في نهاية اليوم بالرضا لأنه استطاع أن ينجز شيئا يعوض ما فاته بالأمس.

العجيب أن الناس أصبحوا يتفننون في إضاعة الوقت، وقد يقول أحدهم لصاحبه: لنذهب للتنزه في أي مكان، فيرد صاحبه متسائلا: لماذا؟ فيجيبه: أبدا ما عندي شيء قلت نضيع وقتا. كأن إضاعة الوقت أصبحت هدفا لدى البعض!

والإنسان لا يتعظ بعواقب إضاعة الوقت في الدنيا، فالطالب قد يلهو ويلعب طوال العام فيهمل الواجبات ولا يذاكر للاختبارات، وفي نهاية السنة يجد نفسه راسبا فيندم على كل ساعة لم يجتهد فيها وضاعت في كسل. والابن قد يعصي ويعق والديه، وعندما يتوفى أحدهما يبكي نادما ويتمنى لو يعود الزمن لكي يعوض كل ما فاته من بر الوالدين. وهذه كلها ومضات وتنبيهات للإنسان بأن الوقت لا يقدر بثمن والزمن لا يعود إلى الوراء.

حتى عندما غنت أم كلثوم «عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يا زمان» كانت تريد أن تخبره أنه من المحال أن تعود العلاقة كما كانت فهي تعلم يقينا أنه غير قادر على إعادة الزمن.

ونحن لا نستطيع إعادة الماضي فقط، بل لا نعرف كم بقي لدينا من الوقت في المستقبل، وهذا حافز كبير لاستغلال الوقت واغتنامه فيما يعود على الإنسان بالنفع والفائدة. وقد قيل إن السر ليس في قضاء الوقت بل في استثماره، وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله:

تزود من التقوى فإنك لا تدري

إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر؟

فكم من صحيح مات من غير علة

وكم من سقيم عاش حينا من الدهر

وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا

وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري

وإن كنا في الدنيا قد نبكي حسرة وندما على نتائج إضاعة الوقت فكيف بنا يوم نلاقي ربنا سبحانه وتعالى ويسأل كل واحد منا عن عمره فيما أفناه؟