علي الغامدي

المؤمنون بنظرية المؤامرة

الخميس - 31 مايو 2018

Thu - 31 May 2018

في مجالسنا وعند مناقشة أي حدث يشغل الرأي العام تجد الجميع يدلي بدلوه ويحاول تفسير ما يحدث من وجهة نظره الخاصة.

وهناك في الزاوية البعيدة تجد شخصا ينتظر الجميع حتى ينتهوا من كلامهم لكي يبهرهم بمعلومات خفية يجهلها كثيرون، ويخبرنا أننا لا نستوعب ما يحدث بالشكل الصحيح، فيبدأ بسرد نظريات (المؤامرة) التي يؤمن بها.

هذه الشخصية موجودة في مجتمعاتنا بكثرة، ولا ننكر وجود مؤامرات في العالم، لكن التطرف في نمط التفكير هذا هو ظاهرة غير صحية.

ولكن كيف تتكون هذه العقلية وما الذي يجعلها تفكر بهذه الطريقة؟

هناك دوافع عدة تشكل القوة التي تحدد مسار العقل البشري في تفكيره، ومن أهمها الحاجة للفهم والحاجة للشعور بالأمن ومحاولة تحسين الصورة الذاتية.

فالعقل منذ طفولتنا يعمل في حركة مستمرة لمحاولة فهم كل الأحداث من حولنا، وهذا يجعلنا نطرح الكثير من التساؤلات: لماذا لا تسقط الطائرة رغم ثقل الأوزان التي تحملها؟ كيف يتحول ضوء الشمس إلى طاقة كهربائية؟ وهكذا.. بمجرد طرح أي تساؤل يقوم الدماغ بعرض عدة احتمالات أمامه فنفترض من خلالها أن أحدها أو بعضها هو الصحيح.

وجميع الأحداث التي ندركها لا بد أن تعاني من نقاط مفقودة تمنع اكتمال الصورة الحقيقية للقصة. هذه النقاط المفقودة تخلق فجوة معرفية تتراجع من خلالها ثقتنا بمعلوماتنا ويرتفع مستوى الشك. تمثل هذه الفجوات شعورا مزعجا للدماغ فيحاول ملأها بأي معلومات حتى لو لم يكن متيقنا منها ليمنحه ذلك الشعور بالراحة. نوع المعلومات التي يستحضرها الدماغ تعتمد على المعتقدات والتجارب السابقة، والجهل بمعرفة النقاط المفقودة يجعل هذه العقلية ترجح وجود قوى خفية تهدد أمنها الداخلي والشعور بـ «الخوف» وهو ما يثير الدافع الثاني.

فعلى سبيل المثال لو أخبرت شخصا يؤمن بنظرية المؤامرة بأن سيارته تلوث الهواء بشدة فإنه سيخشى فقدان وضع الراحة الذي يتمتع به. فبدلا من إصلاح سيارته سيسعى جاهدا لإثبات وجود مؤامرة ينظمها علماء البيئة، وسيبحث عن معلومات تقلل من شأن تأثير التلوث على صحة الإنسان، وبهذا يكون قد شعر بالأمن والرضى عن نفسه باحتفاظه بسيارته وعدم الإضرار بالناس.

وأحد الدوافع المهمة للتفكير بهذه الطريقة هو البحث عن قيمة ذاتية، فالإنسان عادة يسعى لتحسين قيمته لدى المجتمع عن طريق إبراز الدور المهم الذي يقدمه في الحياة كرعاية أبنائه أو مساعدة المحتاجين وتعليمهم. بعض المهمشين يجد نظريات المؤامرة طريقة للتعبير عن قيمته بحصوله على معلومات خفية لا يعلمها معظم الناس، مما يعطيه قيمة كبيرة وسط المجتمع.

الحصول على القدر الكافي من المعرفة يرفع مستوى الثقة ويبطل الإيمان بهذه النظريات التي تجعل صاحبها يدور في حلقة مفرغة دون الحصول على إجابة قاطعة لأي حدث.

ما الذي يجعلنا نؤمن بوجود قوى خفية تتحكم بجميع تصرفاتنا؟

كيف يتكون هذا النوع من التفكير؟

من هم الأشخاص الذين يؤمنون بها؟

كيف نقلل من سيطرتها على تفكيرنا؟