الرأي

من هذه المرأة في يوم المرأة؟

هبة قاضي
(يا الله قد إيه الحياة كانت بسيطة وسهلة زمان لما كانت أدوار الرجل والمرأة واضحة وبسيطة، الرجل يخرج للسعي والرزق، والمرأة تجلس في البيت للرعاية والأولاد)، قلتها لصديقتي بصوت خفيض وأنا أفكر في كل تلك الفيديوهات والرسائل والوسائل الإعلامية التي تتحدث عن يوم المرأة العالمي، والتي تحاول أن توصل للمرأة رسالة بأنها قوية، مستقلة، متمكنة، ليست بحاجة إلى أحد، والأهم أن بإمكانها فعل وتحقيق أي شيء.

نعم أصبحت الحياة معقدة للمرأة، فما بين مجلات الجمال وروابطها الالكترونية التي تروج عناوين، مثل (عشرة أشياء تجعل الرجل لا يقاومك)، (كيف تصبحين أجمل في خمس خطوات)، (بشرة شابة للأبد وخصر نحيل أمد الدهر وجمال ساحق يجعل الرجل عند قدميك)، والتي نتج عنها نساء لا هم لهن إلا النفخ والشد واللهاث خلف الموضة وعيادات التجميل، فتحولن إلى دمى جوفاء بلا عقل ولا روح، وما بين الحركات النسوية التي تشمر عن سواعدها مطالبة بالحقوق والمساواة والعدالة في الأجور ومجالات العمل، وتدعو المرأة للاستقلالية في وقت لم يعد بإمكانها فيه الاعتماد على الرجل أو أن تؤمن عليه حياتها وربما حياة أطفالها. وأخيرا انتشار حملات الدعوة لمحبة الذات والانطلاق في الحياة والتحرر من القيود الاجتماعية والأفكار الرجعية عن التبعية والانصياع والتضحية. تحولت بعض النساء إلى رجال في تصرفاتهن وتحملهن للأعباء والمسؤوليات، بينما تحولت الأخريات إلى كائنات هلامية تعيش في عوالم الأوهام لتستفيق فجأة متحسرة على ما فرطت فيه، وتائهة ما بين طبيعتها الفطرية وطبيعة مجتمعها وما بين المتغيرات الحديثة.

في عام 2014 ألقت الممثلة البريطانية وسفيرة النوايا الحسنة للمرأة في منظمة الأمم المتحدة إيما تومسون خطابا عن حملة He for She (هو من أجل هي) قالت فيها (كلما تحدثت عن النسوية، كلما أدركت أن الصراع من أجل حقوق المرأة أصبح مرادفا لكره الرجال، وإن كان هناك شيء أنا متأكدة منه تماما الآن هو أن هذا الأمر يجب أن يتوقف!)، وتكمل إيما خطابها متحدثة عن أن تعريف النسوية (feminism) ببساطة هو الاعتقاد بأنه يحق للرجل والمرأة الحصول على نفس الحقوق والفرص. أن تشعر المرأة بالراحة لممارسة ميولها القيادية بدون وصمها بالتحكم والرجولة. أن يكون لها حق تقرير المصير في مسار حياتها وتحمل المسؤولية الكاملة لقراراتها بدون استغلال أو احتياج للتحايل أو قوانين متعسفة أو سلطة ذكورية جائرة.

عزيزتي المرأة ما رأيك أن نضع الرجل جانبا في هذا اليوم ونتحدث ببساطة من امرأة إلى امرأة بكل صراحة وشفافية، دعي عنك كل هذه الحملات وكل هذه التوجهات وضعي يدك في يدي ولنغمض أعيننا ونستشعر احتياجاتنا الداخلية، لنعد التواصل مع ذواتنا وفطرتنا وحدسنا الأنثوي الذي غفلنا عنه وأنستنا إياه انجرافات الحياة ومظاهرها ومتطلباتها التي لا تنتهي. نعم أنت أنثى، والأنثى مخلوق مفطور على الاحتواء، سواء احتواء طفل في رحمها، أو احتواء شعب في مسؤوليتها، فالمهارات المطلوبة للمهمتين هي نفسها. دعي عنك الصور الحديثة المشوهة عن الأنوثة من مظاهر وتصرفات وإغواء، فما تلك إلا صور مشوهة لكائنات مكتئبة مهووسة بنفسها. فالأنوثة الحقيقية هي سلام داخلي، تصالح مع الذات، عطاء وحنان، تفهم وتسامح، أسلوب وذكاء في التواصل. نعم ادرسي ما تحبين واعملي في ما ترغبين وحققي طموحاتك، لكن افعلي ذلك لأنك تحبينه وترغبينه وهو ما سخرك الله له، وليس محاولة لإثبات شيء أو منافسة مع الرجل أو تماشيا مع توجه. اختاري نمط الحياة الذي يتماشى مع طبيعتك ورغباتك بغض النظر عن السائد أو التوجهات الحديثة. فإن قررت الزواج والتفرغ لبيتك وأولادك، لا تسمحي لأحد أن يشعرك بأنك أقل فتلك رسالتك والتي لا تقل أهمية عن أي خيار حياتي آخر، وكوني من المناهضات لحملة المطالبة براتب شهري للأم المتفرغة من الحكومة كما في بعض الدول مثل السويد، وتعديل القوانين في حال الانفصال بحيث تؤمن مستقبلها.

عزيزتي المرأة في يوم المرأة لنكن عونا للمرأة، ولنقف بجانب بعضنا بالتمكين والتعليم والمساعدة، ولنكن عونا للرجال، ولنتآلف معهم لنكون سكنا لبعضنا ونحقق لهم ولنا السعادة التي تشرق بالتفاهم والسكينة والحب. والأهم لنكن عونا لأنفسنا بأن نكون على حقيقتنا، وأن نتقي الله في خياراتنا، ليكون العالم أجمل لنا جميعا.