الاحتلال ليس معنى عصيا على الفهم، أو بمعنى أكثر وضوحا (ما هو بعصيدة بنسوطها)، وهي عبارة تعني أن الأمر ليس معقدا أو صعبا يحتاج مجهودا كما يحتاج إعداد العصيدة باستخدام «المسواط». (يمكنكم البحث عن معنى مسواط في قوقل، فالجهل لم يعد مبررا).

الاحتلال يعني ببساطة أن تسيطر دولة على أخرى وتصادر قرارها وسلاحها ومصادر دخلها، وتتحكم في شؤونها الداخلية والخارجية رغما عن إرادة الناس والدولة في البلد المحتلة.

وهناك أيضا احتلال ناعم لا يحتاج جيوشا ولا عسكرا وتستخدم فيه طرق مالية وإعلامية وغيرهما من الوسائل التي تبدو في مظهر أقل دموية من الاحتلال العسكري، وفي هذا النوع تشترى الذمم ويصبح سوق الخيانة رائجا، ويقدم قادة الدولة التي تقع تحت الاحتلال مصالح دولة - أو دول - الاحتلال على مصالح أوطانهم.

ومهما شرقنا وغربنا في أنواع الاحتلال وطرقه وآلياته فإن كل أنواعه تنطبق على لبنان، فهو دولة محتلة مسلوبة الإرادة من أي زاوية نظرنا إليها. ولا أفهم لماذا يبصر البعض هذه الحقيقة ويعتبر أن هناك فوارق جوهرية بين لبنان وأي بلد محتل آخر على سطح هذا الكوكب البائس المحتل هو الآخر.

لبنان يدخل حروبا بجيوش لا تخصه، ويعادي ويوالي ويصالح بناء على أمور لا تعنيه، هو مجرد أداة في يد محتل يحركها أينما شاء، وقتما يشاء، وبالطريقة التي يشاء. ثم يقال بعد كل هذا إنه ليس بلدا تحت الاحتلال.

الرئيس والوزراء وحتى مدراء البلديات في لبنان لا يصلون إلى مناصبهم ما لم يكونوا جزءا من لعبة المحتل، مجرد التفكير في مقاومة هذا الاحتلال حتى ولو بالكلام يعني التصفية الجسدية والاغتيال.

وقد يكون مفهوما ومقبولا ـ على مضض ـ أن تقبل وشعبها بأن يكونوا محتلين من قبل دولة أخرى، وأن يكون قرارهم في يد غيرهم. لكن حين يكون هدف الاحتلال هو استخدام هذه الدولة وهذا الشعب لإيذاء آخرين وإلحاق الضرر بمصالحهم وأمنهم. وحين تصبح الدولة مسلوبة القرار مجرد قفاز ترتديه الدولة التي سلبت قرارها لتمارس به أعمالا قذرة دون أن تتسخ يداها بشكل مباشر. فإن العمل على تحرير الدولة المحتلة ليس مجرد تعاطف مع مستضعف بل إنه أيضا محاولة لدفع الأذى عن النفس.

وعلى أي حال..

وعودة على مثل جدتي في أول المقال فإن المنطقة بأسرها عصيدة تستخدم في إعدادها «مساويط» عددا، وقد أثبتت قصص التاريخ ومعالم الجغرافيا بأن استخدام أكثر من مسواط يفسد الطبخة، ويجعل منها شيئا غير صالح للاستخدام البشري.

@agrni