معرفة

لماذا يستطيع بعض الناس التعامل مع الأمور الأكثر تعقيدا أفضل من غيرهم؟

كم من المرات التي شعرت فيها بأن الأمور تشعبت بطريقة معقدة؟ وأن العالم أصبح أكثر اتساعا، والمعلومات تكاثرت بطريقة يستحيل حصرها؟ هناك الكثير ممن تنتابهم هذه المشاعر، ويؤمنون بفكرة أننا أصبحنا الآن نعيش في عصر أكثر تعقيدا، فالعالم من حولنا يزداد تعقيدا يوما بعد يوم، تستند هذه الفكرة على السرعة الكبيرة في التغيرات التكنولوجية والمقدار الهائل من المعلومات المتدفقة حولنا. ووفقا لموقع Harvard Business Review يذكر أن فلاسفة القرن السابع عشر، مثل 'لايبنتز'، والقرن الثامن عشر مثل'دريوت'، كانوا ضجرين بسبب الكم الهائل من المعلومات الموجود وقتها، والكمية الكبيرة من الكتب التي يشيرون إليها لا تمثل سوى جزء صغير مما لدينا اليوم، وما لدينا اليوم لن يضاهي ما سيكون متاحا لأجيال أخرى في المستقبل. مقدار التعقيد النسبي بين العصور المختلفة ليس بالأمر المهم، وذلك بالنسبة لشخص يسعى جاهدا للتعامل مع التعقيد الموجود في حياته اليومية، ففي كل عصر تعقيداته اليومية التي ينجح البعض في التعامل معها بنجاح باهر. لذا كان هناك سؤال مهم وما زال كذلك، وهو: لماذا يستطيع بعض الناس التعامل مع الأمور الأكثر تعقيدا أفضل من غيرهم؟ على الرغم من أن مصطلح الأمور الصعبة، أو المعقدة، يعتمد بشكل كبير على السياق المذكور فيه، ولكنه أيضا يعتمد على حسن تصرف الفرد تجاه هذا الأمر المعقد، على وجه الخصوص. هناك ثلاثة عوامل رئيسة تعزز من قدرتنا على مواجهة الحوادث المختلفة حولنا والأمور المعقدة: 1 الذكاء IQ: يعلم الكثيرون أن مصطلح IQ Intellectual quotient يشير إلى القدرات العقلية، ولكن ما يعرفه القليل من الناس أو ما يتقبله البعض أن القدرات العقلية تؤثر على الكثير من النتائج التي نراها في حياتنا العملية، كالأداء الوظيفي والنجاح المهني. السبب الرئيسي في ذلك أن مستويات أعلى من الذكاء أو القدرات العقلية تمكن الناس من التعلم وإيجاد حلول للمشكلات الجديدة بطريقة أسرع، في الظاهر تبدو اختبارات القدرات العقلية كمسائل رياضية منفصلة تماما عن مشاكل الحياة اليومية، ولكنها في الحقيقة إحدى الأدوات المهمة للتنبؤ بقدرتنا على حل المشكلات ومواجهة الأمور الأكثر تعقيدا. وهناك الكثير من البيئات المعقدة الأكثر ثراء بالمعلومات، والتي تخلق قدرا كبيرا من المعرفة، وتتطلب مزيدا من القدرات العقلية أو تفكيرا أكثر رقيا وتنظيما. لا يمكننا العمل والسير خلال هذه البيئات بنظام الطيار الآلي، وكأننا لا نعرف ما نفعل، وكل شيء يصير أوتوماتيكيا، ولكن علينا أن نمتلك القدرة التي تساعدنا على العمل في مثل هذه البيئات. القدرات العقلية هي مقياس لتلك القدرة تماما كالميجابايت، أو سرعة العمليات، والتي عن طريقها نقوم بقياس عدد العمليات التي يستطيع الكمبيوتر أداءها، في وقت محدد وبأية سرعة. وليس مدهشا أن نعرف أن هناك علاقة كبيرة بين القدرات العقلية والذاكرة العاملة، والتي تعني قدرتنا العقلية على التعامل مع مجموعة مختلفة من المعلومات في نفس الوقت. حاول أن تتذكر رقم هاتف معينا أثناء سؤالك لشخص آخر عن الطريق، وفي نفس الوقت حاول أن تتذكر الأشياء التي تود شراءها، بهذه الطريقة ستستطيع أن تقدر معدل القدرات العقلية الخاص بك. من جانب آخر، أظهرت الأبحاث أن تدريب الذاكرة العاملة لا يساعد على تعزيز قدرتنا على التعامل مع الأمور المعقدة، وذلك على المدى الطويل، مع وجود بعض الأدلة التي تشير إلى أنه يؤخر تدهور الحالة العقلية عند كبار السن، وذلك يطابق القول المعروف 'استخدمه أو افقده'. 2 الذكاء العاطفي EQ الذكاء العاطفي يتعلق بقدرتنا على الإدراك والتحكم والتعبير عن عواطفنا أو ما بداخلنا. ويرتبط الذكاء العاطفي بإدارة الأمور المعقدة من خلال 3 محاور رئيسة: أولا: الأفراد ذوو قدر كبير من الذكاء العاطفي هم أقل عرضة للتوتر والقلق، حيث إن الأمور المعقدة تتطلب مزيدا من الجهد والتفكير، فمن الطبيعي أن تؤدي إلى مزيد من الشعور بالقلق والتوتر، ولكن القدر العالي من الذكاء العاطفي يساعد هؤلاء الأفراد في التغلب على مثل هذه الأمور. ثاني: الذكاء العاطفي هو العامل الرئيس في مهارات التواصل، والتعامل مع الآخرين، مما يعني أن الأشخاص ذوي القدر العالي من الذكاء العاطفي أكثر استعدادا لإدارة السياسات التنظيمية المعقدة في المنظمات المختلفة، وأكثر قدرة على التقدم في حياتهم المهنية. ثالثا: الأفراد ذوو القدر الكبير من الذكاء العاطفي دائما ما يكونون أكثر ريادية، بمعنى أنهم أكثر فاعلية في استغلال الفرص، والاستمتاع بالمخاطر، وتحويل الأفكار الإبداعية إلى ابتكارات حقيقية على أرض الواقع، كل ذلك يجعل الذكاء العاطفي صفة مهمة للتكيف مع البيئات التي تتسم بالغموض والتعقيد. 3 الذكاء الفضولي CQ الذكاء الفضولي يشير إلى حاصل الفضول لدى الفرد، ويعني العقل الذي يتوق إلى المعرفة واكتشاف المزيد. الأفراد الأذكياء فضوليا هم أكثر انفتاحا نحو تجارب جديدة، يصيبهم الملل سريعا من الروتين المعتاد، ويجدون متعة أكبر في العمل والجدية. دائما يميلون إلى الخروج على المألوف والأفكار الأصلية، ولا يلتزمون بالأعراف والعادات الموجودة حولهم. لم تتم دراسة الذكاء الفضولي إلى حد كاف كالذكاء العاطفي والقدرات العقلية، ولكن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أنه لا يقل أهمية عنهما. وعندما يتعلق الأمر بمواجهة وإدارة الأمور المعقدة، وحل المشكلات المختلفة، يمكن ذلك من خلال محورين مهمين: أولا: الأفراد ذوو القدر الكبير من الذكاء الفضولي هم أكثر قدرة على التعامل مع الغموض، وطريقة التفكير هذه التي تتسم بالدقة، والتطور والتجرد، تستطيع إيجاد جوهر التعقيد والمشكلة والتغلب عليها. ثانيا: مستويات أعلى من الذكاء الفضولي تؤدي إلى قدر كبير من الاستثمار الفكري، واكتساب المزيد والكثير من المعرفة بمرور الوقت، وخاصة في مجالات التعليم الرسمية كالعلوم والفنون، (وهذا بالطبع يختلف عن القدرات العقلية IQ التي تقيس قدرات الفرد من البداية). المعرفة والمهارة تشبهان الخبرة الكبيرة، فتجعلان المواقف المعقدة تبدو كالمواقف المألوفة البسيطة، لذلك فالذكاء الفضولي هو العامل الرئيس لإيجاد حلول بسيطة للمشكلات المعقدة. على الرغم من أن القدرات العقلية من الصعب تطويرها، ولكن الذكاء العاطفي والذكاء الفضولي من الممكن تطويرهما، وزيادة قدرهما، فكما يقول ألبرت آينشتاين 'أنا ليس لدي مواهب خاصة أو استثنائية، إنما أنا شديد الفضول'.