في الماضي، كان التخطيط الحضري يبدأ من مكتب، وعلى طاولة رسم، بخريطة ورقية وأقلام وأحلام معمارية.لكن في مدن اليوم، لم تعد الحدود ترسم بالقلم، بل بالبيانات والتحليل المكاني الذكي.نحن نعيش في عصر تحول فيه التخطيط الحضري من هندسة عمرانية إلى هندسة مكانية قائمة على نظم المعلومات الجغرافية (GIS).لم تعد المدينة مجرد صورة ثابتة من الأعلى، بل كائن حي يقاس ويتفاعل ويتغير لحظة بلحظة.ما هو التخطيط المكاني الذكي؟هو الجمع بين علوم المكان والتحليل الزمني والذكاء الاصطناعي، لقراءة المدينة بشكل ديناميكي، يتيح اتخاذ قرارات أكثر دقة، استباقية، وعدالة.باستخدام نظم المعلومات الجغرافية، يمكن لصانع القرار أن يرى:- أين تتكدس حركة المرور خلال أوقات الذروة؟- ما الأحياء التي تعاني من نقص الخدمات؟- كيف تتوسع المدينة خلال السنوات القادمة؟- ما المواقع المثلى لبناء مدارس جديدة أو عيادات أو محطات نقل ذكي؟في السعودية، تعد تقنية GIS حجر الزاوية في عدة مبادرات ذكية ضمن رؤية 2030. فمنصة «راصد» تقدم رؤى لحظية عن البيئة والمدينة، والمركز الوطني لنظم المعلومات الجيومكانية يعمل على تكامل البيانات المكانية بين الجهات، وتوجيه التخطيط نحو الأفضل.كيف يعيد التخطيط المكاني تشكيل المدينة؟أولا: من التجانس إلى التفصيل: لا مزيد من «مقاس واحد يناسب الجميع». كل حي يدرس حسب خصائصه، سكانه، أنماط حركته، واحتياجاته الفعلية.ثانيا: العدالة الحضرية: يمكن للتخطيط المكاني أن يبرز الفجوات التنموية بدقة: كأن يكشف عن حي بلا حدائق، أو منطقة نائية لا تصلها خدمات الرعاية.ثالثا: إدارة الموارد بكفاءة: من خلال التحليل المكاني، يمكن تقليل الهدر في البنية التحتية، وتوجيه الميزانيات حسب الأولوية الفعلية، وليس الحدس.رابعا: التنبؤ بالتوسع الحضري: النماذج الجغرافية تتيح التنبؤ بالنمو العمراني قبل حدوثه، مما يمنح المدن فرصة للتحضير بدل رد الفعل.أيها المسؤول، لا تخطط لمدينتك فقط من أعلى، بل من الداخل، من الحركة، من الناس، من الأرض نفسها. اسأل:- هل تملك المدينة نظاما مكانيا ذكيا يرشد القرار؟- هل لدينا قاعدة بيانات مكانية حية تحدث باستمرار؟- هل نستخدم المكان، لا لنقسمه فقط، بل لنفهمه ونتفاعل معه؟في ظل رؤية 2030، التخطيط الذكي ليس رفاهية، بل ضرورة لبناء مدينة مرئية بدقة، ومفهومة بعمق، ومستعدة للمستقبل.EngWalid67@