إن نظرية العقد في نظام المعاملات المدنية تقوم على فكرة مؤداها أن أطراف العقد يحكمهم مبدأ المساواة في الحقوق، الأمر الذي يعكس ويفترض قدرة كل طرف من أطراف العقد على تحقيق الآثار النظامية التي يريد الحصول عليها من وراء العقد الذي أبرمه.

غير أن هذه المساواة لا يمكن أن تعتبر حقيقية في ظل عدم توازن أطراف الرابطة العقدية بسبب التفاوت بين الأطراف في السمات الشخصية والقدرات المعرفية والاقتصادية، حيث إن هذه النقاط التي ذكرناها تنعكس على صياغة العقد بطريقة تخدم طرفا أكثر من الآخر!

إن في حياتنا المعاصرة لا نجد شخصا فاعلا إلا ويفترض أن يكون أحد صنفين، فإما يكون محترفا تاجرا أو مستهلكا، وبالتالي تكون العلاقة غير متوازنة ولا متكافئة بالنظر لما يمتلك التاجر من حرفة في ضمان حقوقه في صياغة العقد، وهذه المشكلة لا تتشكل إلا في حالة أن الإنسان لم يستشر رجل قانون في مدى توازن العقد من حيث الواجبات والالتزامات بين الأطراف.

ينشأ انعدام توازن العقد من ضعف ذاتي مرتبط بشخص المتعاقد، حيث يكون ضعيف شخصية لا يستطيع أن يقول (لا)، ويسلم للطرف الآخر في صياغة العقد كما يشاء، ويضع الالتزامات المناسبة له ويرهق الطرف الآخر الذي لم يكن له موقف واضح وقوي في المشاركة بصياغة العقد حتى يكون العقد متوازنا في الحقوق والواجبات.

إضافة إلى أن من أسباب عدم توازن العقد التفاوت المعرفي؛ فمتى امتلك أحد الطرفين قدرا من المعرفة والخبرة التي يفتقر إليها المتعاقد الآخر كان هناك مخاطر في صياغة العقد، بحيث يكون غير متوازن، وأنا في حديثي عن هذه الفرضيات على أنها تكون للمستهلك أو رائد الأعمال المبتدئ أو الشخص العادي فهو قد يقع في إبرام عقد غير متوازن وذلك للاعتبارات التي ذكرتها.

ختاما، في مرحلة صياغة العقد وتحديد عناصره الجوهرية في حالة كان طرفا العقد شخصا محترفا والآخر على غير دراية، فإن المحترف يكتب عقدا يفرض فيه شروطا مجحفة أو تعسفية، غير أنه يحتاط لنفسه من سهولة التحلل من الالتزامات جزئيا أو كليا إضافة على أمر ليس بمستغرب في مثل هذه الفرضية، فإن الطرف المحترف سيضمن العقد العديد من الشروط التعاقدية التي تخوله في فسخ العقد؛ فالحذر - عزيزي القارئ - من الدخول في معاملات تعاقدية يكون فيها عقود لا تعرف ما هي البنود التي تحمي مصلحتك، وهل العقد متوازن في الالتزامات، والأصلح لحماية الحقوق عرض العقد قبل توقيعه على مختص من رجال القانون.expert_55@