"سدوس".. من أقدم المستوطنات البشرية في جزيرة العرب
جذبت أعين الرحّالة والمؤرخين والمعماريين على مرِّ العصور
الثلاثاء / 14 / شوال / 1445 هـ - 19:07 - الثلاثاء 23 أبريل 2024 19:07
تُعد (سدوس)؛ واحدةً من أقدم المستوطنات البشرية التي عرفتها الجزيرة العربية ومن القرى ذات القيمة التاريخية في المملكة العربية السعودية. احتضنت بين جنباتها معالم أثرية مُهمة بعضها اندثر، وبعضها مازال شاهدًا على عراقتها وأصالتها. وتشكِّل علامة تاريخية وجغرافية وحضارية في منطقة (نجد) والتي شهدت أحداثًا كبيرة عززت من قيمتها.
وعقد عُرفت في المصادر العربية القديمة باسم: (القُرَيَّة) والقرية، وقرية بني سدوس، وهو ما يشير ضمنًا إلى أن هناك من وصفها بالقريَّة تصغير قرية كالبكري، وهناك من وصفها بالقرية كياقوت الحموي. وهذه القرية: «بها بنو سدوس ابن شيبان بن ذهل بن ثعلبة». وقد أطلق اسم القُرَيّة على إقليم اليمامة. والسُّدُوسُ بالضم الطَّيْلَسانُ (كِسَاء أو قماش أَخضر يلبسه الخاصة وعلية القوم)، وفي الصحاح: سُدُوسٌ، بغير تعريف، وقيل: هو الأَخْضَرُ منها؛ قال الأَفْوَه الأَوْدِي:
والليلُ كالدَّأْماءِ مُسْتَشْعِرُ، من دونهِ،
لوناً كَلَوْنِ السُّدُوس الجوهري
وكان الأَصمعي يقول السَّدُوسُ، بالفتح، الطَّيْلَسانُ. وقيل: إن (سَدُوس)، بالفتح، اسم الرجل، ويقع في موضعين: أَحدها سدوس الذي في تميم وربيعة وغيرهما، والثاني في سعد ابن نَبْهانَ لا غير. وبالضم، اسم الطيلسان، وذكر أَن سدوس، بالفتح.
وقد سكنها بنو سدوس قبل الإسلام وهم أبناء عم بني حنيفة. وفي القرن الثامن الهجري تقريبًا اُختُصِرَ الاسم؛ فأصبح يعرف باسم: (سدوس) فقط من باب تسمية المحل باسم الحال فيه؛ فهي الآن لا تعرف إلا باسم سدوس وأصبحت القرية تعرف بهذا الاسم حتى الآن. ويبدو أن لهذا الخلاف في التسمية دلالته المعمارية التي تشير إلى توصيف العمران بسدوس في مراحله المتتابعة فقد عرفت أولا بالقريَّة؛ تصغيرًا للقرية، ثم عرفت بالقرية لما اتسع عمرانها. ويرجع نسب بني سدوس إلى سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن امضي بن دعمي.
وقد وردت (سدوس) على لسان بعض الرحالة العرب والمسلمين، الذين تحدثوا عن معالم أثرية كثيرة لهذه القرية، ومن أهمها: الكتابات والنقوش القديمة؛ وما كان موجودًا بها قبل عقود، والمتمثل في البناء المشيّد بالحجارة والمنسوب؛ بالإضافة إلى معالم أخرى كالمسلة (المنارة)؛ وحوض الماء (مدى) الإمام فيصل بن تركي؛ وحي البلاد؛ وجدة؛ والمرقب؛ والطرق والدروب؛ والسد وغيرها من المعالم الحديثة..
وتشكل (سدوس) اليوم عمقًا حضاريًا عريقًا في وسط المملكة بالقرب من العاصمة الرياض، وهي كما وصفها الرحالة والمؤرخون واحة جميلة تحيط بها المزارع وبساتين النخيل وأشجار الأثل والرمَّان والطلح وغيرها من الأشجار المنتشرة في المزارع، أو على ضفاف شعاب الأودية وفروعها، وإذا ما نزل المطر تنمو النباتات الصحراوية كالريلة والسبط والبسباس والأرطي والعرفج ، وكذلك نباتات الحمضي من القضا والشنان، لتبرز أمام المشاهد كتحف مفتوح يروي بجمالياته أحداثا تاريخية، ويعززها بمنظومة من الأيقونات والقطع الأثرية التي تشهد على حضارة ورقي وتطور وتاريخ إنساني أصيل .
وقد ورد ذكرها في المصادر التاريخية وكتابات عدد كبير من الرحّالة والمؤرخين والمعماريين. وجذبت عمارتها اهتمام الباحثين والرَّحالة والمعماريين العرب والغربيين على حدٍّ سواء وكذلك تاريخها؛ وقد روَّت المصادر العربية والغربية؛ الكثير من التفاصيل عن سكانها وعوالم معيشتهم، وقبائلهم، ومعالمها الأثرية وموقعها ودروبها والطرق المؤدية لها.
موطن بعض الصحابة الكرام
في صدر الإسلام استجاب بنو سدوس لنداء الحق واشتهر بعض الصحابة السدوسيين، واضطلعت سدوس بدور نوعي، وبارز في العصرين الجاهلي والإسلام، حيث احتلت موقعًا على أحد طرق الحج القديمة الذي ذكره مؤلف كتاب (المناسك وطرق الحج)، كما لعب بنو سدوس دورًا بارزًا في الجاهلية والإسلام، حيث أنجبت بعض الصحابة الكرام، عليهم رضوان الله، مثل: وفد بني سدوس بن شيبان إلى الرسول المصطفى(ﷺ) ؛ ومنهم أيضًا بعض أشهر رواة الحديث عنه (ﷺ)، مثل: عبدالله بن الأسود بن شهاب بن عوف بن الحارث بن سدوس؛ وبشير بن معبد بن شراحيل بن سبع بن ضبار بن سدوس.
أعلام وشجعان سدوس
واشتهر من فُرسان وشجعان بني سدوس: مؤرج (أبو فيد) مرثد بن الحارث بن حرمل بن علقمة بن عمرو بن سدوس؛ وزر بن جابر السدوسي، الذي قتل الفارس عنترة بن شداد. ومن قادة الفتوح: مجزأة بن ثور بن عفير بن زهير بن كعب بن عمرو بن سدوس؛ وأبو الحويصلة، قطبة بن قتادة بن جرير السدوسي؛ وعلباء بن الهيثم بن جرير من بني ثعلبة بن سدوس؛ وخالد بن المعمّر بن سلمان بن الحارث بن شجاع بن الحارث بن سدوس؛ وثابت السدوسي؛ وشقيق بن ثور بن عفير بن زهير بن كعب بن عمرو بن سدوس؛ وسويد بن منجوف بن ثور بن عفير بن زهير السدوسي؛ والحارث بن سدوس. واشتهر من قُضاتها: محارب بن دثار كردوس السدوسي؛ ومحارب بن محمد بن محارب السدوسي
كما اشتهر من بني سدوس علماء ومؤرخون، ومن أشهر هؤلاء مؤرج بن عمر السدوسي (ت: 195هـ/810م)، وكان عالمًا باللغة والحديث والأنساب، حيث كان كتابه (الأنواء) بداية لسلسلة كتب الأنواء التي ضمنها مؤلفوها من اللغويين جميع صنوف الملاحظات عن الطقس وحركة الفلك والبروج وظواهر الطبيعة الأخرى مصحوبة بتعليقات لغوية وغير لغوية، وله من لمؤلفات أيضًا: (المعاني)، وغيره. ومن علماء بني سدوس أيضًا، أبوبكر بن حفص بن يزيد السدوسي (ت:٢٩٣هـ) وهو الذي روى (تاريخ الخلفاء) لأبي عبد الله بن محمد بن زيد وزاد فيه. كما أن منهم قتادة بن دعامة السدوسي الفقيه البصري الأعمى.
شعراء سدوس
وكان لسدوس شعراء ذائعو الصيت، بقيت أشعارهم شاهدة على نبوغهم وامتلاكهم لناصية اللغة، ونذكر من شعراء سدوس القُدامى الشاعر: جُرُولْ بن أَوس بن مالِك العبسي المعروف بِالْحُطَيْئَةِ، وهو شاعر عربي مُخضرم، (أدرك الجاهلية والإسلام) ويُعد من فحول الشعراء ومقدّميهم وفصحائهم، وكان ينصرف في جميع فنون الشعر من مَدح وهجاء وفخر ونسب ويجيد في جميع ذلك. كان ذا شرّ وسفه. عُرِف بمتانة شعره وبذاءة ألفاظه، تنوّع شعره بين المدح والذم والهجاء. بالإضافة إلى الشاعر عمران بن حطان بن ظبيان بن شعل بن سدوس؛ والشاعر شيبان بن سلمة السدوسي، فضلاً عن تميم بن جميل السدوسي، الذي أبهر الخليفة العباسي المعتصم، بفضل حكمته وبلاغته وشعره كبير الأثر، حيث أهداه المعتصم ولاية على نهر الفرات ومعها (50) ألف درهم.
واحة موغلة في القدم
وتعد (سدوس) واحة استقرار بشري موغلة في القدم، وعلى الرغم من عدم توافر معلومات كافية عن تاريخ ذلك الاستقرار؛ فإنه يرجح قِدَمه لعوامل عدة أسهمت في ذلك الاستقرار، أهمها: توافر المياه والتربة الصالحة للزراعة والمناطق الرعوية والغابات، التي تعد جيدة في الشعاب والأودية المحيطة بها، فضلاً عن الموقع والأمن، وقدرة السكان على استثمار هذه العوامل، بالإضافة إلى عوامل بشرية وطبيعية أخرى، ثم قربها من أهم الطرق في وسط الجزيرة العربية.
وتظل المياه من أهم العوامل التي أسهمت في تطور العمران فيها، حيث تسهم سيول شعاب وادي وتر في إمداد المزارع بالمياه، ثم في رفع مخزون المياه الجوفية، كما أسهمت التربة إسهاما فعالا في نشأة وتطور البلد؛ إذ لتربته الرسوبية الصالحة للزراعة دور فاعل في قيام وازدهار الزراعة فيه، واختيار مناطق السكنى والتوسع العمراني الذي تلا ذلك.
نقوش ومعالم
تحتوي (سدوس) على الكثير من المعالم الأثرية، ومن الآثار الباقية التي لم تندثر، تشهد على تاريخ حدث، ووقائع كبرى مرت بها. ومن معالم (سدوس) مسلّة أثرية وجد عليها نقوش وكتابات تعود للعصور القديمة، وكذلك قصر قديم يرجّح البعض أن سيدنا سليمان بن داود عليهما السلام، قد بناه إلى جانب معالم أخرى ونقوش كتابية منقوشة على الحجر. وهناك الأبراج الحالية التي تمثل جزءًا من العمارة التقليدية في سدوس ومنها: برج آل معمَّر وهو برج الزاوية الشمالية الغربية لسدوس، ويبلغ قطر هذا البرج (5) أمتار ويرتفع عن مستوى الأرض من 10-20 مترًا. وقد بني بالأسلوب نفسه والشكل المتبع ذاته في الأبراج الأخرى بالقرية، ويمتد السور الشمالي للقرية من هذا البرج حتى البرج الشمالي الشرقي ويبلغ طول السور الواصل بين هذين البرجين (54) مترًا. وكذا برج السلطان وبرج الجميعة.
ومن معالم وأثار سدوس أيضًا، كتابات ونقوش قديمة عثر عليها في السلسلة الجبلية شمال سدوس وهي أحرف مسند جنوبي يقدر عمرها ما بين 2000 إلى 3000 عام. وقد وُجدت في الجهة الشمالية من سدوس، قطعة حجرية مستديرة الشكل، مأخوذة من أعمدة بعض الدور التي أُقيمت في القرية قديمًا. وهناك كذلك، تحصينات سدوس التي تحيط بالبلدة من جهاتها الأربع، وهذه الأسوار كانت مزودة بأبراج دفاعية، إضافةً إلى البوابة الرئيسة (الدروازة) التي بمنتصف السور الجنوبي. وأيضًا برج المراقبة في الجهة الجنوبية الذي يبعد عن السور الجنوبي المسمى بالمرقب حوالي 250م.
رحّالة ومؤرخون
مرَّ الرحالة البريطاني لويس بيلي بسدوس في الثالث من شهر مارس عام 1865م، وذكر في كتابه (رحلة إلى الرياض): «لقد توقفنا هذا المساء في (سدوس) وكانت عبارة عن مجموعة مزارع صغيرة وجميلة، اجتمع بعضها إلى البعض الآخر في الوادي حول حصن صغير، لقد كانت المنازل وجدران الحدائق أنيقة ومتصلة».
كما ذكرها الرحّالة الإنجليزي جون جوردون لوريمر، صاحب كتاب: (دليل الخليج) بقسميه التاريخي والجغرافي، حيث قال: «إن قرية سدوس كانت مكوّنه من 160 منزلاً». وقد اكتسبت قرية سدوس اسمها من اسم سدوس بن شيبان ابن ذهب بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. وورد ذكرها في أشعار القدماء كما عند الحارث بن عباد، وبشار بن برد وغيرهما
وتشير المصادر التاريخية، إلى أن أول استقرار في المنطقة كان لقبيلة هزان الأولى البائدة، ثم تلاها استقرار قبيلتي طسم وجديس قبل الميلاد، وكان نفوذ طسم يشمل بلادًا واسعة، منها: (سدوس)، ثم سكن المنطقة بنو سدوس بن شيبان، وبنو حنيفة، والجميع من بكر بن وائل، وكان استقرارهم فيها قبل الإسلام بقرنين من الزمان تقريبًا.
دور تاريخي بارز
لعبت سدوس دورًا بارزًا في العصرين الجاهلي والإسلامي؛ حيث احتلت موقعًا على أحد طرق الحج القديمة. وكان لموقعها المتوسط في نجد وتربعه على أحد الطرق المهمة في الجزيرة العربية تأثير ملموس في التطور والنمو العمراني للقرية. حيث أنشئت فيها القلعة (حي البلاد) وشيد لها سور محكم وأبراج جيدة.
ولأهالي البلدة خبرة في إنشاء التحصينات الدفاعية، تلك الخبرة التي انعكست في تخطيط الدروازة وبناء الأسوار والأبراج والآبار وتخطيط الشارع الرئيسي وما يتفرع منه من طرق جانبية وهي الخبرة التي عكست مستوى متقدم من مستويات التخطيط، والإنشاء الحربي ليس بمعزل عن مثيله في المستوطنات والمدن الإسلامية الكبرى، ومن المهم أن من الأساليب أيضًا ما توارثتها الأجيال عبر العصور في تقليدية مستمرة تؤكد أصالتها في الجزيرة العربية بصفة عامة. ولعل أوضح مثال على ذلك هو أسلوب بناء الأبراج التي يقل قطرها كلما ارتفع، وهو أسلوب عربي شهير كان فيه ما يحقق متانة الإنشاء والتخلص مما يسمى بالزاوية الميتة. وتستوعب قرية سدوس هذه النوعية من المنشآت استيعابًا يوافق متطلبات وحاجات المجتمع المادية وبناء الآبار التي تحافظ على مياه الأمطار والمياه الجوفية التي تميزت بها سدوس.
وأهم ما يميز عمارة (سدوس) التقليدية، هو تكامل عناصرها وتنوعها، ما يجعل منها قرية نموذجية ونادرًا ما نجد قرية مشابهة لها فهي قرية، ليست متداخلة العناصر مع غيرها غير المرغوب فيه بمعنى أنها جميعًا مبنية بطريقة واحدة وفي فترة واحدة، ويمكن أن يطلق عليها (قرية تراثية حضارية) بالنظر إلى الذي يقدر بحوالي مائتي عام، كما أن ما يميز سدوس هذه المدة الطويلة عدم وصول يد الإنسان العابثة بالحديد والأسمنت إلى مبانيها، ومن مزاياها أيضًا الأسلوب المعماري الفريد الذي استخدم في تسقيف الغرف بفرش الحجارة الرقيقة في الرصف فوق الخشب، وهذا النوع من الأساليب تنفرد به سدوس ولا يوجد في المباني التقليدية إلا في القليل جدًا من مباني إقليم نجد، وينعدم في مباني المنطقة الغربية من المملكة، كمكة وجدة والمدينة. ولسدوس مزية أخرى ذلك أن مسجدها يتكون من دورين خلافًا للمساجد المعاصرة لتلك الفترة في نجد كما أن البيوت فيها تتميز بالبناء ذي الدورين، حيث استخدم ربما السفلي للرجال والعلوي للنساء. كما يوجد في القرية العديد من الغرف ذات الواجهة الواحدة وهي متراصة ومتقابلة وتشرف على أزقة ضيقة يفترض أنها استخدمت كمتاجر وأسواق عامة.
قيم أهل سدوس وتقاليدهم
عُرف عن أهل سدوس رغد العيش، ووفرة الخيرات، لذلك وصفوا بالكرم، والشجاعة، واستطاعوا بما توافر لهم من العناصر المشجعة على الاستيطان في المنطقة التي نزلوا بها أن يجعلوا قريتهم من أشهر قرى اليمامة. وقد شهدت سدوس بحكم استيطانها، نهضةً معمارية تقليدية، متأثّرة ومشابهة ما سيطر على معظم البلاد المجاورة من بلاد العالم الإسلامي وبعض أقاليم الجزيرة العربية: نجد والحجاز واليمن، تلك العمارة التي تُظهِر الحسّ الإسلامي بقيمه الأصيلة، ومبادئه الصحيحة ، كما كان للعُرف والتقاليد الموروثة أثرٌ في التكوينات المعمارية السكنية وغيرها من المنشآت والمرافق العامة؛ حيث تجلّت خبرة أهالي البلدة في إنشاء التحصينات الدفاعية، وانعكست في تخطيط الدروازة؛ وبناء الأسوار والأبراج، وتخطيط الشارع الرئيس. وما يتفرّع من طرائق جانبية، وهي الخبرة ذاتها التي عكست مستوى متقدمًا من مستويات التخطيط والإنشاء العربي، كما عكس أسلوب التخطيط والإنشاء أحيانًا حلولاً محلية مبتكرة تأثّرت إلى حد ما بأساليب الهجوم والدفاع في منطقة نجد؛ لذلك ظلت سدوس واحدة من أجمل القرى الأثرية ذات الأهمية الكبيرة في المملكة العربية السعودية؛ نظرًا لما تحتويه من عناصر فريدة وزخارف جصية تعود إلى ما قبل القرن الثاني عشر الهجري/الثامن عشر الميلادي، كما تعد في الوقت نفسه- حصنًا من الحصون القديمة ونموذجًا لأصغر قرية متكاملة مسوّرة ليس في المملكة فحسب بل ربما في الجزيرة العربية بأسرها.
وقد تعرّضت (سدوس) كبقية الحواضر النجدية، لتخلخل بشري؛ إذ أثّرت في ذلك سنوات الجدب والجفاف والأمراض والحروب والهجرات، خصوصًا مع الفتوحات الإسلامية، على عدد السكان فيتناقصون ويهاجرون بشكل شبه جماعي لتلك المناطق المفتوحة، وبقيت سدوس عامرة بالسكان والزراعة، ومن أواخر من تكلم عنها ياقوت الحموي المتوفى في الربع الأول من القرن السابع الهجري، ويظهر أنها بعد ذلك التاريخ بدأت في العد التنازلي في عدد سكانها إلى أن هجرت تمامًا، وبقيت عبارة عن أطلال مبان وآبار معطلة.. وفي عام 850 هـ وبعد شراء حسن بن طوق التميمي للعيينة، جدّ آل معمَّر، ضم سدوس لنفوذه.
(سدوس) في ألمانيا
إذا كانت (سدوس)، شغلت الباحثين العرب؛ فقد شغلت أيضًا الباحثين الأجانب، مثل العالم والمهندس المعماري الألماني كريستوف هانكه، الذي اختار عمارة سدوس؛ لتكون موضوع رسالته العلمية لنيل درجة الدكتوراه من جامعة كيسر زلاوترن الألمانية، وقد عنون تلك الرسالة بـ (سدوس: نموذج للقرية النجدية بالمملكة العربية السعودية)، ونال عنها درجة الدكتوراه عن تلك الرسالة بالفعل عام 2004م.
وقام معالي الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، بنشر رسالة الدكتورة التي أعدها لألماني كريستوف ماريه هانكه، في كتاب قال في مقدمته: «إن رحلة هذا العمل الأكاديمي بدأت عام 1981، حينما استثمر العالم كريستوف ماريه هانكه وجوده الرسمي في المملكة العربية السعودية، وذلك للعمل في بعض المجالات والاهتمام بالنهضة التنموية بالمملكة، ووجد الفرصة مناسبة لإنجاز دراسة عن قرية سدوس والتي ضمت كثيرًا من المباني التي تعود إلى ما قبل القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) وحملت تصاميمها مؤشرات على روابط دينية اجتماعية كانت باعثًا في التخطيط، حيث التقى كريستوف في بداية رحلته العلمية بوالدي الشيخ عبدالرحمن بن إبراهيم ابن مشاري بن معمر، أمير سدوس، والذي أكرم وفادته وعائلته وقدم له كل ما يخدم أبحاثه ومعلوماته التاريخية».
من أهم المؤرخين القدامى، الذين تناولوا سدوس، هم: ياقوت الحموي في كتابه: (معجم البلدان)؛ وأبو الحسن الهمداني في كتابه: (صفة جزيرة العرب)؛ والأصمعي في كتابه: (سير أعلام النبلاء)..
ومن أهم المؤرخين المحدثين، الذين تناولوا سدوس بالبحث والتحليل: الشيخ عبد الله بن بشر في كتابه: (تاريخ نجد)؛ والشيخ حسين بن غنام في كتابه: (روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام)، والشيخ إبراهيم بن إسحاق الحربي في كتابه: (المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة) الشيخ حمد الجاسر، رحمه الله، في (المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية)، و(جمهرة الأنساب المتحضرة في نجد) والأستاذ عبد الله بن خميس في كتابه: (معجم اليمامة)؛ والشيخ محمد بن ربيعة في كتابه: (تاريخ ابن ربيعة)؛ والدكتور محمد عبد الفتاح أبو عليه في كتابه: (الدولة السعودية الثانية)؛ والدكتور عبد المحسن المعمر في كتابه: (سدوس عبر الماضي والحاضر: دراسة وصفية)؛ والدكتور محمد عبدالستار عثمان، في كتابه: (عمارة سدوس التقليدية: دراسة تاريخية أثرية معمارية(دراسة حالة) وكتابه: (مسجد سدوس: دراسة أثرية معمارية.. دراسة حالة)؛ وكل من الدكتورة سمر محمود أحمد جمعة، والدكتور المحمد علي سن زينهم في دراستهما المشتركة:(دراسة أثرية للعمارة التقليدية بالجزيرة العربية)..والدكتور صبحي أحمد السعيد في كتابه: (نمط التوزيع المكاني والتركيب الوظيفي لمراكز الاستيطان البشري في منطقة نجد)؛ والدكتور محمد بن عمر الفاخري في كتابه: (الأخبار النجدية).. وغيرهم..
كما ذكرها كل من الرحالة البريطاني لويس بيلي بسدوس في كتابه (رحلة إلى الرياض) كما ذكرها الرحّالة البريطاني جون جوردون لوريمر، في كتابه: (دليل الخليج).