صورة (1)

في الليلة التي تسبق الذهاب، أخبرهما أبويهما عن مكان يغص بالثقافة والمرح، بيد أن فضولهم الجامح استشرى واسئلتهم توالت، فقالوا لهم:'هو محضن يكتنفه الفكر، يبذر في العقول المعلومات والقيم والتقاليد، كما ينشطه عبر استرجاع التاريخ الأصيل'. لا يكتفي الصغار فيسألون 'ماذا أيضاً؟' ينظر الأبوان لبعضيهما، ثم يتفق لهما أن ينطقا بنفس الإجابة: 'إنه برج تصعدونه طابقاً طابقاً.. إلى أن تجتمعوا مع ماضيكم'، زفر الصغار وقطبوا حواجبهم قبل أن تأتيهم إجابة أخيرة: 'جسر تشقونه وفي نهايته تلتقون مع أنفسكم'.

وهكذا وفدوا والأمل يخالجهم والأحلام لا تبرح مخيلتهم، ومنذ الخطوة الأولى جالوا بأبصارهم في أنحاء المكان في الوقت الذي خامرهم به السرور، وما هي إلا لحظات حتى سمعوا صوت الثقافة يهتف لهم: 'هلموا'، وبدورهم ابتدرواأنشطة المهرجان.

صورة (2)

يهمس له صوت الثقافة قائلاً: 'اعتمر قبعتك وارتد سترتك.. ها أنت مستعد فاِكتشف بسيطةأودعت الأمم كنوزها في باطنها، وأبحث في عمقها وارمق أطنابها الضاربة في التاريخ، تجد بقايا حضارات منذ آلاف السنين، تلمسها فهيقطع شاهدة على السالف، وتوخ الحذر في حملها واستقرئ ملامحها، ثم أصغ إلى سردها التاريخي عن موطنك، وبعدئذ ستحكي لك عن أمجاد الحاضر وسيرورة الحضارة النابضة في نواحي بلدك.. وأخيراً، خذها في عنايتك الرؤومة ولا تنس أن تورثها احفادك.

صورة (3)

'طفلتنا، لنا مائدة تمتد من الشمال إلى الجنوب، ومن الغرب إلى الشرق، ملأة بأطعمة إذااستطعمتها عرفتِ منزلة القمح وشموخ النخلة، وأدركتِ ثمن الحقل وما يبذله جدك حين يذرعه ذهاباً وإياباً.. إن غذاءنا لها نكهة التحدياتومذاق تذليلها، وفيها مكونات تشير إلى بيئتك ومناخك وجذورك، غير أنها تشي بمظاهر ثقافتك وتمظهر في عقلك الأكلة منذ جمع أجزاءها حتى تطاير رائحتها في منزل من حجر وآخر من طين،وفي كل منها أسرة تتحلق على مائدة، يشمر أفرادها عن أكمامهم كي يأخذوا طاقتهم التي تهب القوة لإكمال مهام يومهم.. لهذه الغاية يا طفلتنا.. أحفظِ وصفات أطعمتنا، وصونِ قيمتها.

صورة (4)

'انصتوا إلى قصتكم.. إنها باسقة كجبالكم وغائرة مثل صحاريكم، وإياكم والتواني في الغوص في ذاكرتها والسير في روابيها.. بل انطلقوا وتفحصوا مكارم مجتمعكم ومناقب رموزكم.. أرجعوا إلى زمان قديم وعيشوا في المكان الأصيل، وتبصروا تضحيات أسلافكم وانتصاراتهم.. فخليق بكم استكمال مسيرة قيمكم وتقاليدكم، إن عطاء حاتم متغلغل في صفاتكم، وبأس عنترة يحثكم على الإقدام، ووفاء السموأل وسم فرادتكم.