الرأي

ريما آثرت أخوتها بروحها!

محمد سعود المسعود
كل نفس ترى ذاتها أجمل من حقيقتها، كل إنسان يرى نفسه أطهر من غيره، نعتقد جميعا أننا نتصف بكل الفضائل التي لسنا مطالبين بفعلها، طالما كان الاتصاف بها لا يتطلب أكثر من الحديث عنها وتمجيدها، كالكرم والعفة، والتضحية بالذات في سبيل منح الحياة لغيرها.

في الواقع ليس من اليسير أن يؤثرك أحد بروحه، وليس يسيرا على كل نفس التضحية بذاتها لتهب الحياة لمن تحب، ولغيرها، في زمن طغيان الأنا، والحرص على الحياة.

شاهد العالم جاكلين كندي زوجة الرئيس الأمريكي الشاب جون كندي وهي تقفز من السيارة بعد إصابة زوجها مباشرة، تركته ليواجه قدره طالبة النجاة لنفسها، ولم تلتفت لترى إمكانية مساعدته، أو مقدار حاجته إليها، ثم لم تلبث بعده إلا قليلا وتزوجت غيره وبات نسيا منسيا!.

قبل أن نُبتلى، كلنا صالحون، وقبل المصائب كلنا صابرون، وقبل الغنى كلنا محسنون ونوفي الكيل، ونغيث الملهوف، ونسبغ العطية!

ولكن ما منا (كريما) الشهيدة الكريمة بأعظم ما يعطى، وأعظم ما يوهب، وأجمل ما يفتدى به.

في لحظة الكشف تتجلى مكنون السرائر، وينكشف باطن النفوس، ويظهر من الأفعال طهر القلب وحقيقته.

إن هذا كله ينكشف وينجلي واحدة كلمح البصر تجلي السرائر وتكشفها، ترفع نفوسا إلى ملكوت الله، وتتردى بأخرى إلى ما تستحق!.

إن للجنة ثمنا، ولنعيم الآخرة تكاليف، ولعطايا الله الخالدة استحقاقا!!.

فتاة العشرين ربيعا طاهرا، يتدانى الموت بسرعته إذ يسعى، يخيرها في لحظة كشف لمكنون القلوب!.

تنتزع إخوتها واحدا ثم الآخر، واهبة لهم حياة من موتها إن قدر الله تعالى عليها موتا، مؤثرة حياتهم على حياتها، ومن يبذل حياته ليحيي غيره غير الشهداء والصديقين!.

وفدت على الله الرحمن الرحيم وبين يديها ثواب إحياء الناس جميعا، وبين يديها نور الشهداء الذين يتقدمهم نورهم بين أيديهم والناس من حولها مظلمون!

رحم الله تعالى هذه الفتاة الباسلة التي افتدت بروحها أخواتها، كاتبة بحياتها القصيرة شرفا رفيعا من التضحية الخالدة، إنه حدث ليس عابرا ولا يسيرا أرجوا أن يسمى الشارع الذي بذلت فيه روحها وتقبلها الله تعالى عنده في الشهداء باسمها.. تخليدا لهذه الشهادة العظيمة.

عظم الله تعالى أجر أبويها وأسرتها الكريمة وأحسن لهم المثوبة على هذا المصاب الجلل العظيم. وإنا لله وإنا إليه راجعون.