العالم

ألاعيب السياسيين تعمق جراح لبنان

سليمان فرنجية
عمقت ألاعيب السياسيين في لبنان الأزمات المتعددة التي تعيشها البلاد، بعد مرور ما يقارب 8 أشهر في ظل فراغ رئاسي وحكومة معطلة وبرلمان مكبل، يثخن جراح وطن يعاني أوجاعا اقتصادية طاحنة، ويواجه سكانه الجوع.

وفقا لتقرير حديث نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية.

ويؤكد ـ وفق ألكسندر لانغوا محلل السياسة الخارجية المختص بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ـ أن التصويت الذي أجراه البرلمان اللبناني لاختيار رئيس جمهورية جديد في الأيام الماضية، يسلط الضوء بقدر أكبر على الكابوس السياسي المستمر الذي يعيشه لبنان، ذاك البلد الصغير المطل على البحر المتوسط، وسيكون تبديد هذا الكابوس محوريا في المستقبل القريب، في خضم ما يمكن وصفه بالخطوة المتواضعة إلى الأمام في التصويت الأخير.

أرقام تكشف أزمة لبنان
  • 20 مليارا الناتج المحلي متراجعا من 55 مليارا
  • %80 من المواطنين يصنفون في خانة الفقر
  • 44 مليار دولار تكبدها النظام المصرفي
  • 7 آلاف مليار ليرة لبنانية عجز في ميزانية العام الماضي
  • 100 ألف ليرة تساوي دولارا واحدا بعد الانهيار التاريخي للعملة
  • 150 مركز لبنان في تصنيف مكافحة الفساد
لحظة حاسمة

يقول لانغوا في تقرير «ناشيونال إنترست»: الخطوة المتواضعة ينبغي أن ينظر إليها بشيء من الشك، فإن ظهور وزير المالية السابق والمسؤول الكبير الحالي في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور على مسرح الأحداث، معادلا لثقل سليمان فرنجية المدعوم من ميليشيات حزب الله وحركة أمل، يمثل لحظة حاسمة في مسيرة البحث عن رئيس لبناني جديد». وأسفر التصويت عن حصول المسؤول الأممي أزعور على 59 صوتا، مقابل 51 لفرنجية الذي يتحرك بإيعاز من حزب الله، وشملت الأصوات المتبقية بطاقات اقتراع فارغة أو أصواتا محتجة أو أصواتا لمرشحين أقل ثقلا، مثل العماد جوزيف عون، وزياد بارود، كانوا بمنزلة عائق أمام الوصول إلى عتبة الـ65 صوتا الضرورية للفوز في الجولة الثانية. ويتمتع أزعور بدعم فريد من نوعه ومفاجئ من الأحزاب السياسية المسيحية، وهي كتلة تصويتية معروفة بانقسامها وتضم كيانات نافذة مثل القوات اللبنانية المناهضة لحزب الله، والتيار الوطني الحر المتحالف سابقا مع حزب الله، وحزب الكتائب المؤيد للإصلاح.

لعبة باسيل

قال جبران باسيل بعيد تأييده لأزعور: «إذا دعينا إلى جلسة انتخابية، فيمكننا التصويت لصالح أزعور، لكن، هل ستجعله أصواتنا رئيسا؟ لا. إلا إذا وافق الفريق الآخر عليه». وتابع قائلا: «يجب أن نواصل إجراء محادثات مكثفة للتوصل إلى توافق في الآراء».

وشاع في فترة من الفترات أن السياسي البارز والفتى الذهبي للتيار الوطني الحر مرشح للرئاسة، ويعتقد على نطاق واسع داخل الكتل المسيحية أنه الخليفة المنطقي لعون نظرا إلى القوة السياسية التي تمتع بها التيار الوطني الحر قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ومع ذلك، يعي باسيل اللعبة السياسية الجارية الآن، ويأتي الدفع بجهاد أزعور للوصول إلى تفاهمات، في نظاق واسع من الألاعيب التي اعتاد الساسة اللبنانيون عليها.

إثارة الجدل

وفقا للتقرير، بدلا من المخاطرة بترشيح باسيل، استقر رأي حزب الله على المرشح الذي حسبه الحزب أقل إثارة للجدل، ألا وهو فرنجية، وأدى ذلك إلى إقصاء باسيل في نهاية المطاف، ما أدى إلى تفاقم الصدع في التحالف الذي كان يتشكل منذ العام الماضي، حول دور رئاسة الوزراء والحكومة من دون رئاسة إلى حد كبير.

ويحتمل أن باسيل، في ظل تحركاته الأخيرة، ما زال يستهدف الرئاسة، ولو أن هذا النهج ضرب من الحماقة لأسباب عدة، ومع ذلك، فدعوته إلى إجراء محادثات وإشاراته التي يرسلها إلى معسكر حزب الله تعبيرا عن مرونته، ربما لا تغيب عن الجماعة اللبنانية المسلحة. وفي نهاية المطاف، يبدو خطاب باسيل غامضا في الوقت الحاضر، ويتعين التأكد مما إذا كان لا يزال يسعى وراء الرئاسة أم يحاول أن يؤدي دور صانع الصفقات، لتحسين صورته أمام الشعب اللبناني والمجتمع الدولي.

تركيبة مستحيلة

يقول ألكسندر لانغوا إن تركيبة النظام السياسي اللبناني تجعل من المستحيل تقريبا على كتلة سياسية واحدة أن تفرض مرشحا على الشعب، فالمسألة تقتضي حوارا حقيقيا إما يسد الفجوة بين الكتلتين السياسيتين الأساسيتين، وإما يستقطب المعطلين بهدف تحقيق الوصول إلى 65 صوتا انتخابيا، ولو أن الخيار اللاحق يعجز عن التعاطي مع مسألة النصاب القانوني. ويرى التقرير أن الوفاق الأخير الذي شهدته المنطقة، خصوصا فيما يتعلق باتفاق حسن الجوار بين المملكة وإيران برعاية صينية، ربما يكون فرصة مهمة لحل المأزق السياسي في بيروت. وخلص الكاتب في مقاله إلى أنه إذا عقدت الغريمتان التاريخيتان الآمال على توسعة نطاق صفقتهما التاريخية، فمن الممكن أن تؤدي كل الطرق إلى بيروت، ولكن، لا ينبغي أن يراهن أحد على هذه النتيجة بعد الأمر الذي يترك لبنان واللبنانيين رهن المأزق السياسي الجاري، حتى بعد التوافق على مرشحين أساسيين يمثلان تقدما طفيفا عام 2023.

انسحاب مكشوف

يشكل أصحاب المصلحة هؤلاء، فضلا عن كثير من أعضاء البرلمان المستقلين وبعض الأحزاب الصغيرة، العمود الفقري لمجموع الأصوات القيادية لأزعور في البرلمان. وبعد فرز أصوات الدورة الأولى، وظهور عدم حصول أي من المرشحين على الغالبية الضرورية، أطاح انسحاب المعسكر المؤيد لفرنجية بالنصاب القانوني، وأدى إلى إنهاء الجلسة.

وقال ألكسندر لانغوا، إن فرنجية محكوم عليه بالفشل عند الأحزاب المسيحية، ويفتقر إلى الواقعية من دون دعم التيار الوطني الحر، وفي الوقت الحاضر، لا يدعم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ترشيح فرنجية، وسيقتدي به حزبه في هذا الصدد، ولذلك تحاول الأحزاب المسيحية ممارسة خدع سياسية جريئة.

ورجح الكاتب أن الكتلة المحيطة بأزعور – ولا سيما التيار الوطني الحر – تنظر إلى ترشيحه بوصفه آلية لفرض مفاوضات حقيقية بشأن مرشح توافقي حقيقي للرئاسة.