العالم

كلهم خاسرون في حرب أوكرانيا

هارشو: التاريخ يقول إن أي حرب تبقى أكثر من عام تستمر عقدا كاملا

فولوديمير زيلنسكي
عندما أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته باجتياح أراضي أوكرانيا أواخر فبراير من العام الماضي، كان يعتقد أن جنوده سيدخلون العاصمة كييف ويشربون الفودكا في شوارعها خلال أيام قليلة، لكن الأمور لم تمض كما تصور.

والآن تنفذ القوات الأوكرانية أول هجوم مضاد كبير على المناطق التي استولت عليها القوات الروسية في بداية المعركة، في حين يتشبث الروس بمواقعهم للتصدي للهجوم الأوكراني. لكن هناك أمرا واحدا بات شبه مؤكد، وهو أنه لن يكون هناك منتصر ومهزوم في هذه الحرب خلال الأسابيع أو الشهور، وربما السنوات المقبلة، حسب الكاتب توبين هارشو المتخصص في الشؤون العسكرية والأمن القومي.

وفي تحليل نشرته وكالة بلومبيرج للأنباء يقول هارشو إنه لا أحد حتى الآن يعرف شكل الانتصار الذي يمكن أن يحققه أي طرف، مشيرا إلى أن ماكس هيستنجس المراسل العسكري المخضرم وكاتب المقالات في بلومبيرج كتب منذ حوالي عام «في وقت من الأوقات، كان الإصرار على إنهاء الحرب بالنصر يعد دليلا على الشجاعة والعزم، وكان لهذه الكلمة صداها القوي لدى القادة السياسيين والعسكريين على مر التاريخ، لكن الوصول إلى هذه النتيجة في صراعات القرن الحادي والعشرين يبدو بعيد المنال».

لا منتصر

في تحليله نشر هارشو مقابلة مع صامويل شارب، عالِم السياسة المرموق في مؤسسة راند الأمريكية، والمؤلف المشارك لكتاب «الجميع يخسرون: أزمة أوكرانيا والسباق المدمر في منطقة أوراسيا بعد الاتحاد السوفيتي»، والذي عمل في إدارة التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، ونشر مقالا ذاع صيته في العدد الأخير من مجلة فورين أفيرز الأمريكية بعنوان: «حرب بلا منتصر» عن الصراع في أوكرانيا.

وردا على سؤال هارشو عما إذا كان قد تصور منذ 15 شهرا أن أوكرانيا ستستطيع الصمود بهذه القوة، وأن الغرب سيدعمها بهذا الشكل، قال شارب: بالطبع لا. فلا أحد كان يستطيع التنبؤ بالموقف الحالي، والجميع داخل الإدارة الأمريكية والمحللون الإقليميون المستقلون، كانوا متفقين على أن روسيا ستتمكن من استغلال تفوقها العسكري الكاسح، وحسم الصراع في وقت قصير، مشيرا إلى أن الأسلحة التي قدمها الغرب لأوكرانيا في بدايات الصراع كانت أسلحة للمقاومة الشعبية وليست للجيوش النظامية، مثل صواريخ ستينجر وجافلينز المحمولة على الكتف.

أخطاء كارثية

كان الافتراض هو أن روسيا ستطيح بسرعة بالحكومة الأوكرانية المنتخبة، لكن أداء الأوكرانيين العسكري فاق كل التوقعات. كما أن الروس في المقابل ارتكبوا سلسلة من الأخطاء الكارثية أفقدتهم كل نقاط تفوقهم وقوتهم.

وردا على سؤال عما إذا كان قلقا من أن يحقق الهجوم المضاد الأوكراني الحالي نجاحا فائقا، يرفع طموحات الأوكرانيين ليحاولوا استعادة كل أراضي إقليم دونباس، وربما شبه جزيرة القرم التي استولت عليها روسيا في 2014، قال الخبير الاستراتيجي شارب: «أعتقد أن احتمال حدوث ما يسمى النجاح الكارثي للأوكرانيين ضئيل، لكن لا يمكن استبعاد حدوثه تماما. بمعنى آخر، استعادة أوكرانيا حدودها المعترف بها دوليا نتيجة غير محتملة للهجوم الحالي».

ويقول هارشو: إن تاريخ الحروب يقول إن أي حرب استمرت أكثر من عام، تستمر عقدا كاملا، فهل إطالة أمد الحرب يخدم روسيا في ضوء مساحتها الضخمة، وقاعدتها الصناعية القوية نسبيا، وهل يمكن أن تتحول ببساطة إلى صراع جديد من «الصراعات المجمدة» لبوتين، مثل الصراع مع مولدوفا ومع أوسيتيا الجنوبية - أبخازيا؟

صراع مجمد

يرى صامويل شارب أن السؤال عن الجانب الذي يلعب الوقت لصالحه بالغ الأهمية، وفي الوقت نفسه بالغ الصعوبة، لأن كل شيء يتوقف على الفترة الزمنية المقصودة، فالفترة من 12 إلى 18 شهرا قد تخدم طرفا في الصراع، لكن عندما تمتد إلى ما بين 18 و24 شهرا، تصبح ضد هذا الطرف.

في الوقت نفسه من المهم القول، إنه إذا ظلت لدى الغرب الإرادة السياسية لمواصلة دعم أوكرانيا، ستجد روسيا نفسها تقاتل ضد أوكرانيا ومعها الموارد العسكرية والاقتصادية للغرب. أما بالنسبة للصراع المجمد، فإن تعريفه أمر مهم، وهو يعرف الصراع المجمد بأنه موقف يتوقف فيه إطلاق النار دون وجود تسوية سياسية بين الطرفين المتحاربين، لذلك ففي مولدوفا لم يتم إطلاق رصاصة منذ 30 عاما، ولكن لا توجد تسوية سياسية، الأمر نفسه ينطبق على شبه الجزيرة الكورية على مدى 70 عاما.

وبالنسبة للصراع الحالي، فإذا وصلنا إلى انتهاء المرحلة الساخنة، حيث يتوقف الهجوم الروسي على أوكرانيا، فسيكون ذلك إنجازا أكثر منه نتيجة سلبية.

مائدة التفاوض

ردا على سؤال عما يمكن أن يرغم بوتين على الجلوس إلى مائدة التفاوض، قال صامويل شارب، إنه سمع هذا السؤال في كثير من عواصم دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) خلال الفترة الأخيرة، والإجابة المختصرة هي أنه لا أحد يعرف الإجابة، ويجب أن نتحلى بالتواضع، بشأن قدرتنا على التنبؤ بقرارات شخصية أوتوقراطية. وهذا التحدي يضاف إلى حقيقة أنه لا توجد حتى اللحظة الراهنة مائدة مفاوضات معروضة عليه، كما أنه لا الغرب ولا أوكرانيا حاولوا منذ مايو 2022 اختبار مدى استعداد بوتين أو ممثليه للجلوس إلى مائدة التفاوض إذا عرضت عليه.

ويرى الموقف الغربي ضرورة «إعطاء الحرب فرصة» حتى تحسن أوكرانيا موقفها، قبل الحديث عن مائدة مفاوضات. ورأيي أنه يجب فتح قنوات اتصال الآن، حتى نعرف ما إذا كان مستعدا للمحادثات، أو متى سيكون ذلك.

استنتاجات صامويل شارب
  • لا روسيا ولا أوكرانيا في موقف يتيح لأي منهما احتلال عاصمة الدولة الأخرى
  • لا يمكن الإطاحة بنظام الحكم في روسيا أو أوكرانيا أو تدميره عسكريا
  • سيخرج كلا الجانبين من الحرب ولديه قدرات عسكرية تمثل تهديدا للآخر في المستقبل
  • من غير المحتمل أن يتمكن أي طرف من تحقيق أهدافه بالنسبة للاستيلاء على الأرض
  • لن يعترف أي طرف بالخط الفاصل القائم عندما تصمت المدافع، باعتباره حدودا شرعية
  • ستظل الدولتان في حال مواجهة ممتدة بعد انتهاء مرحلة الحرب الساخنة