العالم

أين يقف إقليم دارفور في الحرب المجنونة بالسودان؟

الباحث صلاح خليل: أغلبية القبائل الأفريقية تدعم الجيش ومكونات الرزيقات تنحاز للدعم السريع

عمليات تحشيد في إقليم دارفور (مكة)
بينما تزداد الحرب المجنونة بين قوات الجيش والدعم السريع اشتعالا في السودان، يتوقع الفرقاء في الجانبين أن إقليم دارفور يمكن أن يرجح كفة أحدهما على حساب الآخر، بعد سقوط أكثر من 1200 قتيل، ونزوح ما يقارب المليون شخص، وإصابة الآلاف من المدنيين الأبرياء.

ويرى الباحث السوداني بمركز الأهرام للدراسات السياسية، صلاح خليل، أن إقليم دارفور بتداخلاته وامتداداته القبلية الخارجية أحد أهم العوامل التي تؤجج الصراعات داخل السودان وعبر حدوده وفي بعض دول الجوار، إذ تمتد المكونات الاجتماعية للإقليم إلى دول تشاد، وليبيا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وهو ما يجعله رقما صعبا في أي صراع يشهده السودان أو تشهده المنطقة بشكل عام.

وشدد على أن الإقليم أحد محفزات الصراع في السودان والمنطقة، ولطالما تم توظيف تركيبته القبلية والعرقية، فضلا عن موارده وحدوده المفتوحة، في تغذية الصراعات الداخلية أو العابرة للحدود.

عجز التوافق

بدأت الأزمة ـ حسب الباحث السوداني ـ في منتصف أبريل 2023 بعد عجز المكون العسكري عن تحقيق توافق بشأن خطة الانتقال التي صاغتها الثلاثية، ولاسيما ما يتعلق بدمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، إذ أدى الخلاف إلى محاولة قوات الدعم السريع الاستيلاء على السلطة بالقوة، وهو ما واجهه الجيش بوصفه «تمردا»، وعلى هذا اندلع القتال بين الجانبين، ووصل إلى محيط القيادة العامة، ومطار الخرطوم الدولي، ومواقع أخرى عسكرية متفرقة حول العاصمة، إذ حاولت الميليشيات السيطرة على بعض المواقع العسكرية المهمة.

وأكد أن الجيش السوداني الطرف الأهم في الصراع الحالي؛ لأنه وفقا للدستور القوة العسكرية النظامية التاريخية التي لعبت دورا بارزا في تاريخ السودان الحديث، ومخول له حماية البلاد، وهو جامعة وطنية لهويات السودان دون تمييز عبر تاريخه.

صراع وفوضى

ويرى خليل أنه «بينما ما يزال الصراع محتدما ووسط الفوضى التي أعقبت المواجهات بين الجانبين، يحاول طرفا القتال السيطرة على العاصمة، من أجل فرض شرعية جديدة، ولكن بعد العمليات العسكرية على مدار أكثر من شهر ونصف، ظهر التفوق النسبي للجيش السوداني من خلال العمل على مسارين: أولهما، تكتيكي، حيث قام الجيش بتدمير جميع المرتكزات والمقرات التابعة للدعم السريع حول الخرطوم من خلال قطع طرق الإمدادات اللوجستية. وثانيهما، استراتيجي، من خلال عدم قطع شبكة الإنترنت واستدراج عناصر الدعم السريع القادمة من دارفور وأفريقيا الوسطى وليبيا وتدمير أرتالها التي كانت في طريقها لتقديم الدعم.

ويؤكد أنه من خلال تلك الاستراتيجية العسكرية، فقدت قوات الدعم السريع الكثير من عناصرها، وأصبحت تقاتل داخل الأحياء السكنية وبدأت في استخدام المدنيين دروعا بشرية، بالإضافة إلى احتلالها للعديد من المستشفيات، وأصبح الجيش يسيطر على أجزاء كبيرة من العاصمة الخرطوم وبات القتال يدور حاليا في الأطراف، وبعد أن كانت في وسط العاصمة، تحاول حاليا الخروج إلى دارفور كملاذ آمن.

انحياز دافور

ووفقا للباحث الاستراتيجي، تقف أغلبية القبائل الأفريقية في صف دعم الجيش السوداني، للعديد من الاعتبارات التي تتعلق بموقفها من الدعم السريع في الفترة من عام 2003 وحتى عام 2009، عندما ارتكبت انتهاكات ضد القبائل الأفريقية، فضلا عن أن قسما كبيرا من أبناء الرزيقات بقيادة الأمير محمد إبراهيم ماديبو، يقف ويساند الجيش في المعركة، فيما أعلنت قبيلة المسيرية القسم للدفاع عن الحق وشرعية الجيش السوداني، وذلك من خلال الزيارة التي قام بها بعض أبنائها إلى الفرقة 16 مشاة التابعة للجيش السوداني.

ومن الواضح أن الحركات المسلحة في دارفور تقف وتدعم الجيش السوداني، في هذه الأزمة، بالإضافة إلى بعض المكونات العربية والأفريقية داخل الإقليم بشكل عام، فضلا عن جميع الفصائل السودانية المسلحة التي وقعت على اتفاق جوبا للسلام، كما تقف ورشة القاهرة للكتلة الديمقراطية بمكوناتها داعمة للجيش السوداني، من مبدأ الشراكة ومواجهة التحديات الأمنية في السودان.

تدفق السلاح

في المقابل، تدعم بعض القبائل العربية وجزء من مكونات إثنية الرزيقات قوات الدعم السريع، بسبب انخراط نسبة كبيرة من أبنائهم في صفوفها، وبينما ظهرت بعض مظاهر الانفلات مع بداية الصراع، لكن سرعان ما باتت جميع ولايات دارفور الخمسة تحت سيطرة الجيش، وجميع الولاة يعملون بخطط وفق استراتيجية وضعها الجيش، لاسيما فيما يتعلق بتسليم بعض الأفراد من الدعم السريع للجيش، أما فيما يخص المكونات الأخرى من رجالات الإدارات الأهلية ومشايخ نظار القبائل فيقفون جنبا إلى جنب مع الجيش، حيث يركزون على أهمية الولاء للوطن بعيدا عن القبلية والعرقية.

وما يزال الإقليم بالنظر إلى مكوناته المتصارعة وحدوده المفتوحة والاختراقات الخارجية له من جانب دول الجوار ساحة خلفية مهمة مؤثرة على الصراع، فالسلاح المتدفق من دول الجوار مثل ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطي يمثل معضلة حقيقية تواجه الحكومة المركزية بصفة عامة وحكومات الولايات الخمسة بشكل خاص.

السلطة والثروة

ويؤكد خليل أن إقليم دارفور نال حظا أوفر من المشاركة السياسية بعد اندلاع الثورة السودانية، خلال الفترة الانتقالية، ولم يعد الإقليم كما كان في الماضي يعاني من تهميش وعدم مشاركة في السلطة والثروة، حيث منح اتفاق جوبا للسلام 40% لمكونات دارفور وهي أعلى مشاركة في السلطة، كما تم تطبيق التمييز الإيجابي لأبناء دارفور المفصولين تعسفيا بسبب الصراع في دارفور خلال عهد البشير وتمت إعادتهم إلى المؤسسات الخدمية والمدنية، ومن ثم تم تصحيح الأوضاع، كما تم تخصيص 20% من الوظائف العليا لأبناء دارفور.

وانعكس الصراع بين الجيش والدعم السريع في الخرطوم بصورة كبيرة على ولايات دارفور بشكل عام وغرب دارفور بشكل خاص، في ظل حالة الفراغ الأمني الكبير الذي تعيشه ولايات دارفور الخمسة بعد انسحاب الجيش والشرطة من بعض المرتكزات، حيث تقاتل ميليشيات اثنية الرزيقات للاستيلاء على الأراضي والموارد في دارفور كفرصة سانحة لتحقيق ذلك والاستفادة من القتال الدائر في الخرطوم.

حرب واسعة

وسعت قوات الدعم السريع لتنفيذ عمليات تجنيد في دارفور بغرض تعزيز سيطرتها على الإقليم في حالة خسارتها الحرب في الخرطوم، مما يمهد الطريق إلى حرب واسعة بين المكونات الإثنية في دارفور، فضلا عن تصاعد المخاوف من اندلاع حرب أهلية مرة أخرى، حيث إن الوضع الأمني في الخرطوم يشكل بدرجة كبيرة تهديدا لأهل دارفور، سواء كان في حالة استمرار الصراع المسلح، أو فيما يتعلق بمرحلة ما بعد سحق التمرد في الخرطوم، مما يمكن أن يدفع ميليشيات الدعم السريع إلى العودة إلى مناطق النشأة والتكوين في دارفور.

ويؤكد الباحث السوداني في النهاية إلى أن بعض الإثنيات في دارفور سعت إلى توظيف تلك الأحداث لتحقيق مكاسب سواء كانت بدوافع انتقامية لتصفية حسابات قديمة، أو عبر الانخراط في الحرب بغية شد الأطراف وتخفيف الضغط على ميليشيات الدعم السريع، وهو الأمر الذي ينذر باندلاع صراعات داخل ولايات دارفور الخمسة تتعلق بتصفية الحسابات المتراكمة بين القبائل، حيث لم تتعاف ولايات دارفور من عقدين من الإبادة الجماعية بعد.

أهمية إقليم دارفور في الصراع:
  • يجذب المرتزقة المتدفقين من النيجر وموريتانيا وتشاد وأفريقيا الوسطى ونيجيريا.
  • ملتقى شبكة تديرها قوى إقليمية ودولية لديها أجنداتها في السودان.
  • ساحة مهمة لقوات فاغنر الروسية التي تقدم الدعم والتدريب للدعم السريع.
  • مركز لتأجيج الصراعات والتوترات ذات الطابع القبلي.
  • يشهد صراعا مستمرا على عائدات التنقيب عن الذهب.