الرأي

ومن يحمي العراق من إيران؟

سالم الكتبي
نقل عن علي خامنئي المرشد الأعلى الإيراني قوله خلال لقائه في طهران، محمد شياع السوداني رئيس الوزراء العراقي، أن إيران مستعدة لحماية العراق ممن يريدون زعزعة أمنه واستقراره، مضيفا أن العراق أفضل بلد عربي في المنطقة من حيث ثرواته الطبيعية والبشرية، إضافة إلى موروثه الثقافي والتاريخي والحضاري. والحقيقة أن هذا التصريح لافت بحد ذاته لأن العراق لا يحتاج من خامنئي الاستماع إلى وعد بالحماية ممن يريدون زعزعة أمنه واستقراره، بل يريد أن يتعهد المرشد الإيراني بأن يكف يد بلاده عن إيذاء العراق وانتهاك سيادته الوطنية.

لا يريد العراق بالتأكيد من جيرانه حمايته، بل يريد فقط أن يرفع هؤلاء أيديهم عنه، وأن يلتزموا بمبدأ حسن الجوار، وهذا الكلام لا يغيب عن ذهن المرشد ورفاقه من الملالي، ولكن هذا النظام قد أدمن الكذب والخداع حتى بات يصدق نفسه، ويؤمن بأن أكاذيبه يمكن أن تحظى بثقة الآخرين؛ فالجميع يعرف من يعبث بأمن العراق ومن يتسبب في تقويض أمنه واستقراره، ومن له مصلحة مباشرة في أن يبقى هذا البلد العربي الكبير على حاله من دون أن تلوح له فرصة استعادة قوته الاقتصادية وعافيته التنموية ناهيك عن نفوذه الاستراتيجي.

الواقع يقول أن العراق، إلى جانب اليمن، أكثر الأطراف الإقليمية تأثرا بسياسات الهيمنة التوسعية الإيرانية، فهذا البلد العربي العريق يدفع ثمنا غاليا للتمدد الطائفي الإيراني في الجسد العراقي، وعلامات هذا التمدد ومؤشراته لا تخفى على أحد سواء من خلال خلال الصراع السياسي الطائفي سواء بين الشيعة والسنة، أو بين الأطراف الشيعية الرئيسية في البلاد.

اللافت أن هذا الموقف الإيراني الذي يحاول الإيحاء بدعم استقرار العراق يأتي في سياق دعوة وجهها أمر سعيد إيرواني مندوب إيران لدى الأمم المتحدة، وحث فيها مجلس الأمن الدولي على إدانة اعتداءات إسرائيل وهجماتها على سوريا، معتبرا ذلك انتهاكا للقانون الدولي والقانون الإنساني وميثاق الأمم المتحدة، وكأن الضربات الإسرائيلية في سوريا تخضع لقانون دولي آخر غير الذي تخضع له الضربات والانتهاكات الإيرانية في العراق!

درس المبادئ الذي نطق به المبعوث الإيراني لدى الأمم المتحدة دفاعا عن سوريا هو الدرس نفسه الذي يجب أن يوجه إلى قادته في طهران، فسوريا التي قال إن لها الحق في الدفاع عن نفسها وفق المواثيق الدولية، هي في موقف مماثل للعراق الذي تنتهك إيران سيادته مرارا وتكرارا، والبلدان العربيان الكبيران يعانيان جراء الإشكاليات والانتهاكات نفسها، لا فرق في ذلك بين تدخل إيراني أو إسرائيلي أو تركي، علما بأن ثمة نقطة بالغة الأهمية هنا وهي أن الضربات الإسرائيلية في سوريا تستهدف مواقع إيرانية أو موالية لإيران تعتبرها إسرائيل تهديدا لها، بمعنى أن إيران تصنع التهديد وتحاول التنصل منه في الوقت نفسه والزعم بالدفاع عن الآخرين، أضف إلى ذلك أن سوريا لا تستطيع في واقع الأمر إخراج الميليشيات الموالية لإيران من أراضيها على الأقل في الوقت والظروف الراهنة، لأسباب واعتبارات معقدة للغاية، بينما يتعهد العراق بحماية حدوده مع إيران ومنع أي تهديد للأخيرة من الأراضي العراقية.

لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في شمال سوريا سوى من خلال الحفاظ على سيادة ووحدة أراضيها واحترام سيادتها، وهذا أيضا هو حال العراق وكل الدول، فلماذا لا تبدأ إيران بنفسها في الالتزام بهذه المبادئ وترفع أيديها عن العراق وتلتزم بما تطالب به الآخرين؟ النقاش هنا ليس دعما لأحد ولا قبولا لانتهاك دون آخر، ولكنه تذكير بأن المبادئ لا تتجزأ وأن المصداقية تكتسب من خلال الفهم والتطبيق والالتزام الكلي بها وليس خرقها في جانب والمطالبة بها في جانب آخر!

بلا شك أن كل خرق أو انتهاك لسيادة أي دولة هو مسألة مرفوضة وتخالف القوانين والمبادئ الدولية، ولكن المفارقة تبرز وتثير السخرية حين نشهد طرفا إقليميا يمارس جميع صنوف العربدة وممارسات انتهاك سيادة الآخرين، ويمنح نفسه في الوقت نفسه حق الوصاية ويرتدي ثوب البراءة ويدعو لإدانة ممارسات مماثلة لما يفعله هو نفسه في دول أخرى!

قناعتي الشخصية أن القادة العراقيين يدركون تماما حقيقة ما تفعله إيران ببلادهم، ولكن لا مناص و لا مفر أمامهم من مواصلة التعاون مع نظام الملالي، فهو جار الشر الذي لا بد منه بالنسبة لهم، وأخف الضررين بالنسبة للعراق هو محاولة احتواء التدخلات الإيرانية في شؤونه الداخلية، أو على الأقل الحد والتخفيف منها، ورغم أن هذا السيناريو يبدو صعبا للغاية ويرتبط في الأخير بمدى تلاقيه أو التقائه مع المصالح والأهداف والخطط الإيرانية، فإن مصالح العراق تقتضي استمرار المحاولة وبذل الجهود في هذا الاتجاه.

drsalemalketbi@