في السنوات الأخيرة نجح الهنود في إبراز موهبتهم الإدارية والقيادية لدى الشركات العالمية لا سيما في مجال التقنية، بعض الدراسات الأمريكية أرجعت الأسباب إلى كونهم يتمتعون بمزيج من التواضع الشخصي والإرادة المهنية الكبيرة بالإضافة إلى القدرة على تطوير الذات والانسجام مع بيئات العمل ولا يهتمون كثيرا بالضجيج الإعلامي.

تعددت أسباب التفوق الهندي ولكن التعليم يظل أهمها، التعليم في الهند يعتمد على التنافسية المشتدة وفي هذه الأجواء يسقط من لا يتطور، كما أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة خلقت لديهم القدرة على الاجتهاد بصورة منقطعة النظير، كما أن معرفتهم باللغة الإنجليزية والتي تعد اللغة الأولى في الهند سهلت لديهم مهمة الالتحاق بالجامعات والشركات البريطانية والأمريكية.

فاتحة هذه الشخصيات كان عالم الرياضيات الشهير رامانجن، أحد عباقرة التاريخ الحديث، والذي هاجر إلى بريطانيا في بداية القرن العشرين وابتكر نظريات عظيمة في الرياضيات لا تزال تدرس حتى يومنا هذا، وعلى الرغم أنه توفي مبكرا وهو في الثانية والثلاثين من عمره إلا أنه أحدث ضجة في الأوساط العلمية بفضل جهوده الخارقة في علم الرياضيات، وقد خلدت هوليود فيلما باسمه يحكي سيرته الذاتية.

أشهر هؤلاء الهنود حاليا هو السيد سوندار بيتشاي والذي يشغل منصب المدير التنفيذي لشركة ألفابيت (قوقل)، وهو شخصية هادئة وتميل إلى العمل بصمت، ولا يعشق الأضواء والشهرة، وقد استطاع أن يضع بصمة قوية في تطويره لشركة قوقل صاحبة المحرك البحثي الأشهر عالميا، أيضا هناك السيد ساتيانا ناديلا والذي يشغل المدير التنفيذي لشركة مايكروسوفت الشهيرة، والتي استطاع أن ينقذ الشركة من التدهور أمام شركات التقنية الصاعدة وقد استفاد ببراعة من الأفكار الحديثة ليعيد مايكروسوفت إلى الأضواء التقنية مرة أخرى، كما أن شركة أدوبي العملاقة صاحبة التطبيقات الشهيرة تدين بالفضل للمهندس الهندي شانتانو ناراين والذي شغل منصب المدير التنفيذي للشركة منذ 2007م وأحدث فيها نقلة نوعية في تحقيق المبيعات هائلة، وآخر هؤلاء الهنود التقنيين هو باراغ أغروال والذي انضم مؤخرا إلى شركة تويتر بمنصب المدير التنفيذي لها، كما نريد أن نلفت القارئ الكريم إلى أن مديري شركة آي بي إم وشركة بالو التو نيتورك وشركة فيمو، جميعهم ينحدرون من أصول هندية!!

يقول رجل الأعمال والملياردير الهندي فينور خوسلا إن طبيعة المجتمع الهندي المتنوع من حيث العادات والثقافات واللغات مكنت الهنود من التعامل مع المواقف الصعبة والمعقدة، بالإضافة إلى أنهم يمتلكون ثقافة وأخلاقيات العمل الجاد واحترام الوقت والمهنية، وهذه السمات مكنتهم من النجاح في قيادة الشركات العالمية، مؤخرا اختير السيد ريشي سوناك لأهم منصب في بريطانيا وهو رئاسة مجلس الوزراء، وقد جاء اختياره في أوقات اقتصادية وسياسية صعبة، ويرجى من ذلك الشاب المليونير أن ينقذ بريطانيا، فهل سيفعلها سوناك ويدخل تاريخ المجد السياسي كما فعلها أبناء جلدته في مجال التقنية؟ قادم الأيام ستخبرنا بذلك.

albakry1814@