اختبار صعب لحدود القوة الأمريكية
الأربعاء / 2 / ذو القعدة / 1443 هـ - 18:54 - الأربعاء 1 يونيو 2022 18:54
منذ بداية القرن الحادي والعشرين، كان الكثير من التقديرات الاستراتيجية الرصينة يشير إلى أنه سيكون قرنا أمريكيا بامتياز أو على الأقل نصف قرن أمريكي من الهيمنة والسيطرة والنفوذ العالمي، والأمر هنا لا يتعلق بانحيازات عاطفية أو فكرية أو حتى شخصية، ولكنه عائد بالأساس لفوارق واضحة في مؤشرات وتراكمات عوامل القوة الشاملة بين الولايات المتحدة ومنافسيها الاستراتيجيين.
والواقع حاليا أن هذه التقديرات لم تعد على الدرجة ذاتها من اليقين في السنوات القلائل الماضية، سواء بسبب تسارع وتيرة التآكل في مكونات وركائز التفوق الأمريكي، أو بسبب الإخفاقات المتوالية للسياسة الخارجية الأمريكية في معالجة القضايا الدولية، وفشل تدخلاتها العسكرية، أو بسبب بروز تحديات مبكرة للنفوذ الأمريكي سواء بشكل متوقع كما هو حال التحدي الصيني، أو غير متوقع كما يحدث من جانب روسيا.
وفي مجمل الأحوال فإننا بصدد مراجعة شاملة للتقديرات والحسابات ولا سيما فيما يتعلق بالأمور المؤثرة في إدارة صراع النفوذ الدولي مثل التفوق العسكري والتكنولوجي والاقتصادي.
الملاحظ خلال زيارة الرئيس جو بايدن مؤخرا إلى منطقة شرق آسيا، أن تحدي النفوذ الأمريكي لم يعد يقتصر على منافسين تقليديين مثل الصين وروسيا، بل بات يشكل قوى أخرى يصعب القفز على ما تمثله من تهديد للولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين، مثل كوريا الشمالية، التي استأنفت إطلاق صواريخها الباليستية بعد يوم واحد فقط من مغادرة الرئيس بايدن أجواء المنطقة، في جولة تعهد خلالها بردع بيونغ يانغ!
الواقع أن انتظار الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون ليوم كامل لإرسال رسالته إلى واشنطن يوحي بأن بيونغ يانغ ليست على مستوى الاندفاع والتهور الاستراتيجي الذي يتخيله البعض، فالتقارير الاستخباراتية الأمريكية كانت تشير إلى استعداد لإطلاق صواريخ كورية شمالية أو إجراء تجربة نووية جديدة أثناء الزيارة ذاتها، وهذا لم يحدث وآثرت بيونغ يانغ تجنب مفاقمة التوتر والاكتفاء بتوصيل رسالتها، وبالتالي فهذه ليست الرسالة الأهم بالنسبة للولايات المتحدة، التي شعرت بالانزعاج والقلق بشكل أكبر من إطلاق القاذفات الصينية والروسية خلال تدريب مشترك في بحر الصين الجنوبي بالتزامن تماما مع جولة الرئيس بايدن في المنطقة.
والمؤكد أن تحديد موعد هذا التدريب المشترك ليس مصادفة، ما دفع مسؤولا أمريكيا للقول «نعتقد أنها (التدريبات) تظهر أن الصين تواصل إبداء استعدادها للتحالف الوثيق مع روسيا بما يشمل التعاون العسكري»، وأضاف «الصين لن تتخلى عن روسيا.
بدلا من ذلك، يظهر التدريب أن الصين مستعدة لمساعدة روسيا في الدفاع عن شرقها بينما تقاتل روسيا في الغرب»، كما توضح «أن روسيا ستقف مع الصين في نزاعاتها الإقليمية مع الجيران في الشرق وفي بحر الصين الجنوبي»، ما يعني أن واشنطن قد تلقت الرسالة التي وصلت أثناء انعقاد قمة قادة دول التحالف الرباعي للحوار الأمني (كواد) -الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان- في طوكيو.
هذه اللفتة الرمزية الصينية - الروسية المشتركة بمنزلة إعلان عن تحد مشترك للنفوذ والهيمنة الأمريكية، وأصبح السؤال الذي يحتاج إلى إجابة يتعلق باحتمالية تشكل محور صيني - روسي، أم أن الولايات المتحدة تواجه تحديا منفردا لكل من القوتين على حدة، فالحاصل أنه ليس هناك تحالف عسكري مؤسسي بين بكين وموسكو، ولكن هناك مقاربات مواقف وأرضية مشتركة، وأن الشراكة التجارية والاقتصادية بينهما ليست على درجة كبيرة من العمق بل ازدادت في الأعوام الأخيرة فقط منذ أزمة شبه جزيرة القرم وما تلاها من عقوبات غربية فرضت على روسيا، ناهيك عن أن الصين لا تشاطر روسيا موقفها في الأزمة الأوكرانية بشكل متطابق، بل ربما ترى فيما يحدث استنفارا للغرب وتعطيلا لخططها بشأن تايوان، فضلا عن أنها تبقي على خيط رفيع يحول بينها وبين التأثر اقتصاديا بالعقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب حرب أوكرانيا.
أعتقد أنه لا يمكن القول بوجود تحالف صيني - روسي لمواجهة النفوذ الأمريكي عالميا، ولكن هناك مسارين منفصلين لمناكفة القوة الأمريكية، يعملان بالتوازي ولكنهما يصبان في الاتجاه ذاته، ويسعيان لتحقيق نفس الهدف وهو تقويض الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي، وهنا يبدو التحدي الصيني الأهم بالنسبة لواشنطن التي تنظر لبكين باعتبارها الخصم الاستراتيجي الرئيسي لها، ولا سيما أن الأخيرة لم تكتف برسالة التدريبات المشتركة مع روسيا بل أعلنت بدء التنقيب عن الغاز في مناطق متنازع عليها مع اليابان، وزادت التوتر على الحدود مع الهند بتشييد جسور في مناطق متنازع عليها، وجميعها رسائل لقادة «كواد» الذين التقوا الرئيس بايدن في طوكيو للتباحث في الترتيبات الأمنية الإقليمية.
drsalemalketbi@
والواقع حاليا أن هذه التقديرات لم تعد على الدرجة ذاتها من اليقين في السنوات القلائل الماضية، سواء بسبب تسارع وتيرة التآكل في مكونات وركائز التفوق الأمريكي، أو بسبب الإخفاقات المتوالية للسياسة الخارجية الأمريكية في معالجة القضايا الدولية، وفشل تدخلاتها العسكرية، أو بسبب بروز تحديات مبكرة للنفوذ الأمريكي سواء بشكل متوقع كما هو حال التحدي الصيني، أو غير متوقع كما يحدث من جانب روسيا.
وفي مجمل الأحوال فإننا بصدد مراجعة شاملة للتقديرات والحسابات ولا سيما فيما يتعلق بالأمور المؤثرة في إدارة صراع النفوذ الدولي مثل التفوق العسكري والتكنولوجي والاقتصادي.
الملاحظ خلال زيارة الرئيس جو بايدن مؤخرا إلى منطقة شرق آسيا، أن تحدي النفوذ الأمريكي لم يعد يقتصر على منافسين تقليديين مثل الصين وروسيا، بل بات يشكل قوى أخرى يصعب القفز على ما تمثله من تهديد للولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين، مثل كوريا الشمالية، التي استأنفت إطلاق صواريخها الباليستية بعد يوم واحد فقط من مغادرة الرئيس بايدن أجواء المنطقة، في جولة تعهد خلالها بردع بيونغ يانغ!
الواقع أن انتظار الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون ليوم كامل لإرسال رسالته إلى واشنطن يوحي بأن بيونغ يانغ ليست على مستوى الاندفاع والتهور الاستراتيجي الذي يتخيله البعض، فالتقارير الاستخباراتية الأمريكية كانت تشير إلى استعداد لإطلاق صواريخ كورية شمالية أو إجراء تجربة نووية جديدة أثناء الزيارة ذاتها، وهذا لم يحدث وآثرت بيونغ يانغ تجنب مفاقمة التوتر والاكتفاء بتوصيل رسالتها، وبالتالي فهذه ليست الرسالة الأهم بالنسبة للولايات المتحدة، التي شعرت بالانزعاج والقلق بشكل أكبر من إطلاق القاذفات الصينية والروسية خلال تدريب مشترك في بحر الصين الجنوبي بالتزامن تماما مع جولة الرئيس بايدن في المنطقة.
والمؤكد أن تحديد موعد هذا التدريب المشترك ليس مصادفة، ما دفع مسؤولا أمريكيا للقول «نعتقد أنها (التدريبات) تظهر أن الصين تواصل إبداء استعدادها للتحالف الوثيق مع روسيا بما يشمل التعاون العسكري»، وأضاف «الصين لن تتخلى عن روسيا.
بدلا من ذلك، يظهر التدريب أن الصين مستعدة لمساعدة روسيا في الدفاع عن شرقها بينما تقاتل روسيا في الغرب»، كما توضح «أن روسيا ستقف مع الصين في نزاعاتها الإقليمية مع الجيران في الشرق وفي بحر الصين الجنوبي»، ما يعني أن واشنطن قد تلقت الرسالة التي وصلت أثناء انعقاد قمة قادة دول التحالف الرباعي للحوار الأمني (كواد) -الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان- في طوكيو.
هذه اللفتة الرمزية الصينية - الروسية المشتركة بمنزلة إعلان عن تحد مشترك للنفوذ والهيمنة الأمريكية، وأصبح السؤال الذي يحتاج إلى إجابة يتعلق باحتمالية تشكل محور صيني - روسي، أم أن الولايات المتحدة تواجه تحديا منفردا لكل من القوتين على حدة، فالحاصل أنه ليس هناك تحالف عسكري مؤسسي بين بكين وموسكو، ولكن هناك مقاربات مواقف وأرضية مشتركة، وأن الشراكة التجارية والاقتصادية بينهما ليست على درجة كبيرة من العمق بل ازدادت في الأعوام الأخيرة فقط منذ أزمة شبه جزيرة القرم وما تلاها من عقوبات غربية فرضت على روسيا، ناهيك عن أن الصين لا تشاطر روسيا موقفها في الأزمة الأوكرانية بشكل متطابق، بل ربما ترى فيما يحدث استنفارا للغرب وتعطيلا لخططها بشأن تايوان، فضلا عن أنها تبقي على خيط رفيع يحول بينها وبين التأثر اقتصاديا بالعقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب حرب أوكرانيا.
أعتقد أنه لا يمكن القول بوجود تحالف صيني - روسي لمواجهة النفوذ الأمريكي عالميا، ولكن هناك مسارين منفصلين لمناكفة القوة الأمريكية، يعملان بالتوازي ولكنهما يصبان في الاتجاه ذاته، ويسعيان لتحقيق نفس الهدف وهو تقويض الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي، وهنا يبدو التحدي الصيني الأهم بالنسبة لواشنطن التي تنظر لبكين باعتبارها الخصم الاستراتيجي الرئيسي لها، ولا سيما أن الأخيرة لم تكتف برسالة التدريبات المشتركة مع روسيا بل أعلنت بدء التنقيب عن الغاز في مناطق متنازع عليها مع اليابان، وزادت التوتر على الحدود مع الهند بتشييد جسور في مناطق متنازع عليها، وجميعها رسائل لقادة «كواد» الذين التقوا الرئيس بايدن في طوكيو للتباحث في الترتيبات الأمنية الإقليمية.
drsalemalketbi@