الرأي

جريمة الحوثي الإرهابية والموقف الدولي

سالم الكتبي
تثبت جرائم الحوثي المتواصلة باستهداف منشآت مدنية في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية أن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن قد أخطأ حين بادر لاتخاذ قرار برفع اسم جماعة الحوثي من القائمة الأمريكية لتنظيمات الإرهاب، بعد نحو شهر فقط من توليه منصبه، حيث بات مؤكدا أن هذا القرار لم يحقق الهدف المرجو، بل بات أحد معززات إرهاب جماعة الحوثي ويشجعها على مواصلة العمليات الإجرامية التي تنفذها ضد دول التحالف العربي، على خلاف تصور إدارة الرئيس بايدن بأن هذه الخطوة ستدفع ميليشيات الحوثي لإبداء مرونة حيال الجهود الرامية لتحقيق السلام والاستقرار في اليمن، فضلا عن التصور الخاص بتسهيل تدفق المساعدات للمناطق المحتاجة، وهي نقطة تستحق النقاش لأن العقوبات لم تمنع وصول المساعدات الإنسانية لمناطق تسيطر عليها جماعات وتنظيمات عدة مصنفة دوليا ضمن قوائم الإرهاب، بل إن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس قد اعترف مؤخرا بأن الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي تزيد من حدة الأزمة الإنسانية في البلاد. الأرجح كذلك أن الرئيس بايدن ربما اعتقد أن إلغاء تصنيف ميليشيات الحوثي جماعة إرهابية قد يبعث برسالة إيجابية ضمنية لإيران لتشجيعها على الانفتاح على الجهود الأمريكية الرامية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وذلك في إطار التخلي تدريجيا عن سياسة «الضغوط القصوى» التي انتهجها الرئيس السابق ترمب ضد إيران والدفع باتجاه نهج الحوار والتفاوض وصولا إلى صفقة لإحياء الاتفاق النووي. الحقيقة أن هذا القرار كان بمنزلة هدية مجانية لجماعة إرهابية بامتياز، فتصنيف الحوثي جماعة إرهابية لم يأت اعتباطا بل جاء عاكسا لقناعة إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب أن هذه الجماعة لا تختلف عن بقية تنظيمات الإرهاب في المنطقة والعالم، رغم أن تأخير صدوره قد أعطى انطباعا للمراقبين بأنه يستهدف وضع العصي في عجل الإدارة التالية وإفشال مهمتها مبكرا في اليمن، وبالتالي فإن إلغاء تصنيف الحوثي جماعة إرهابية لم يسهم في انفراج الأزمة بل أسهم في تأزيم الأمور بدفع الحوثي إلى المزيد من التشدد، وشن المزيد من الهجمات الإجرامية ضد المملكة العربية السعودية والقيام مؤخرا باستهداف آثم لمنشآت مدنية حيوية بدولة الإمارات! الحقيقة أيضا أن ميليشيات الحوثي قد اعتبرت قرار الولايات المتحدة إلغاء تصنيفها جماعة إرهابية بمنزلة تراجع وانعكاس لانحسار النفوذ الأمريكي وتخلي واشنطن عن حلفائها الخليجيين، لاسيما أن القرار قد تزامن مع مؤشرات وشواهد عدة تتمحور حول سيناريو تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط بشكل عام، وقد تعززت هذه الفرضيات إثر الانسحاب الأمريكي المتسرع من أفغانستان، وما نجم عنه من تداعيات استراتيجية مؤثرة، وبالتالي اتجه الحوثي للمقامرة والمغامرة في الاتجاهات كافة بهدف تعزيز موقفه التفاوضي خصوصا في ظل الخسائر التي تتلقاها ميليشياته في جبهات يمنية عدة، بمعنى أن هذه الميلشيات الإرهابية لجأت إلى استهداف إجرامي لمنشآت إماراتية من أجل خلط الأوراق واستغلال حرص الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى على عدم إفساد أجواء مفاوضات فيينا. المحصلة أن التهديد الحوثي يؤكد للجميع أن الميليشيات الإرهابية في منطقتنا العربية باتت تمثل معضلة وعقبة خطيرة تحول دون تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، سواء لأنها تعمل وفق حسابات ومصالح أطراف أخرى تملي عليها قراراتها، أو لأن لديها أجندات معادية للدولة الوطنية وتسعى إلى فرض مفاهيمها التي تتعارض مع بنية النظام العالمي والعلاقات الدولية، أو لأن بعض هذه الحركات والتنظيمات انخرطت في مشروعات تآمرية عابرة للجغرافيا لدرجة أنها باتت تتجاوز الأهداف التي تزعم أنها تعمل من أجل تحقيقها. ورغم أن لميليشيات الحوثي الإرهابية وغيرها من تنظيمات الإرهاب في الشرق الأوسط جوانب خطورة عديدة، فإن أحد أهم عوامل خطورتها تكمن في التنسيق المشترك والارتباطات التنظيمية والفكرية والأيديولوجية المتزايدة بين هذه الميليشيات الإرهابية وبعضها البعض، حتى إنها باتت تهدد بنشوب حرب إقليمية في إطار ما يعرف بمحور المقاومة، بحسب كلام حسن نصر الله زعيم «حزب الله» اللبناني، وهنا نشير إلى أن عبد الملك الحوثي زعيم جماعة «أنصار الله» الحوثية في اليمن قال إن جماعته «جزء لا يتجزأ من المعادلة التي أعلنها نصر الله»! التضامن والدعم الدولي القوي الذي حظيت به دولة الإمارات في مواجهة هذا الإجرام الحوثي أمر محمود يعكس رفض العالم لهذه الجريمة الآثمة ودعمهم وتقديرهم لدولة الإمارات، ولكن ذلك كله يجب أن يترجم كذلك إلى خطوات ملموسة مثل إعادة إدراج ميليشيات الحوثي ضمن قائمة الإرهاب الأمريكية، وصياغة مبادرات وحلول مدروسة للتعاطي مع هذه الميليشيات الإرهابية جميعها، بحيث تتكاتف جميع جهود القوى الإقليمية والدولية من أجل نزع أسلحة هذه الميليشيات، وتقليم أظافرها بشكل استئصالي، وذلك من خلال استراتيجية مدروسة وجهود مكثفة وشاقة ودؤوبة تضمن استعادة دور الدولة الوطنية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وليبيا ودعم هذه الدول كي يمكن لها أن تضمن بقاء السلاح حصريا بأيدي جيوش وطنية لا تدين بالولاء لأطراف خارجية. قلت من قبل إن الميلشيات هي «السوس» الأخطر الذي ينخر في جسد منطقة الشرق الأوسط، ومن دون التركيز على مواجهتها واستئصال دورها، لن تكون هناك أي جدوى من محاولات تحقيق الأمن والاستقرار في أي منطقة من المناطق أو دولة من الدول الشرق أوسطية، التي تشهد صراعات وعنفا وسفكا للدماء. نزع أسلحة الميليشيات قد يبدو مطلبا صعب المنال في ضوء الواقع الإقليمي الصعب، ولكنه ليس مستحيلا في ظل انكشاف الروابط وشبكة العلاقات التمويلية والتنظيمية والأيديولوجية بين المركز والأطراف في هذا المشهد العبثي، ما يتطلب حلولا وبدائل وتعاونا دوليا جادا لتخليص الشرق الأوسط من آفة الميليشيات إلى الأبد. drsalemalketbi@