الرأي

ما لم يقله أبو رغال اللبناني!

أحمد الهلالي
الخطاب الذي امتد لأكثر من ساعة، ولا يعلم من أي سرداب ألقاه زعيم حزب الله الإرهابي لم يسعد به إلا بقية المؤمنين - وهم قلة - بالمشروع الفارسي في المنطقة العربية، وهذا ما يقلق صناع القرار في طهران والضاحية، كما سعد به الإخوانيون أصحاب المشروع المماثل، الذين لم تبق لهم أرض تؤويهم، ولا منصات يلتفون حولها كما التف أتباع نصر الله أمام الشاشة القماشية في قاعة ميتة!

خطاب أبي رغال (حسن نصر الله) كما أسماه السفير السعودي العائد من لبنان المحتلة، خطاب مطلسم، ولا تأتي طلسمته من اللغة، ولا من الأكاذيب التي حشا بها الخطاب كما يحشو الرمان بالكبتاجون، بل تأتي طلسمته من جهة المعاني التي يريد أن يرسلها، والفئة المستهدفة بتلك المعاني، والأهم من كل ذلك الدوافع التي كابد السهر الطويل بفعلها لتأليف سرديته الطويلة العريضة الكاذبة، ولا يخفى العمل المؤسسي المضني لتأليف خطابه وحفظه، من خلال الاستشهادات التي حشدها أثناءه، وكانت كل تلك الشواهد جاهزة لدى الجيش الالكتروني للمشروع الفارسي، ومنها (صورة من صحيفة معنونة بتحذير السعودية للبنان منذ الستينيات) وحديث قديم لوزير الداخلية السعودي الأمير نايف يرحمه الله عن آفة الإرهاب التي كانت تهدد المجتمع السعودي، وما أن أذاع الخطاب حتى تسابق الرعاع على نشر تلك المواد التي يتوسل بها غباؤه إلى غايته المطلسمة.

اتهمت السعودية حزب الله بالإرهاب منذ مدة طويلة، وصنفه الاتحاد الأوروبي منذ 2013م، وصنفته الجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي إرهابيا منذ عام 2016م، وكذلك فعلت كثير من دول العالم وما تزال، ولم ينفعل حسن نصر الله لذلك كما في خطابه المسردب الأخير؛ لأن الخسائر التي يواجهها المشروع الفارسي وأذنابه في المنطقة فادحة بتنامي الوعي لدى الأجيال الشابة، ما أجبر البوق الفارسي على المناورة بخطاب إنشائي هش، يحاول وقف الخسائر التي منوا بها.

ليست السعودية ولا أمريكا هدف هجوم حسن نصر الله، بل كل خطابه يتجه إلى (العراق)، نعم العراق، فقد تكرر في خطابه كثيرا، وتكررت معها مفردتا (الوعي/ والبصيرة) وهما شفرتا تلقي هذا الخطاب، كما تحدث عما يبث عبر وسائل التواصل، ما يؤكد تأثيرها في وعي الشباب العربي، فقد رصد قادة المشروع الفارسي علامات تراجع مشروعهم الآثم، بعد أن أحرزت السياسة السعودية تقدما مؤثرا في التقارب السعودي العراقي، وتعالى صوت الوعي العراقي ضد الوجود الإيراني، تجلى ذلك في حراك الشارع، وحراك النخب المثقفة، وبعض الكتل السياسية، كما شده العراقيين القاع الذي وصل إليه وطنهم، مقابل ما تشهده السعودية ودول الخليج من نماء مطرد وتقدم على جميع المستويات، وهذا الوعي يزعزع الوجود الإيراني في العراق، ويتبعه تزعزع سيطرة حزب الله في لبنان، بعد الضغط السياسي السعودي الخليجي على حكومة لبنان؛ لإجبارها على اتخاذ موقف حقيقي ينقذ لبنان من هيمنة الحزب الإيراني، وتحرير بيروت من قبضة الميليشيات الإرهابية، ويتبعه تضعضع القدرات القتالية للحوثيين لانحسار الدعم المالي والمعنوي من العراق، وتصدي الأمن والمجتمع العراقي للمخدرات اللبنانية!

ولتأكيد هذه القراءة، لنتأمل تزامن الحدثين المنبريين، خطاب نصر الله المركز على (الوعي) واستحضار الجنسية السعودية في عمليات إرهاب داعش في العراق دون غيرها من جنسيات داعش، والحدث الثاني الذي سبقه كان إيفاد طهران لابنة الإرهابي قاسم سليماني إلى العراق والتحدث (بلسان عربي) أمام الشعب العراقي مع ابنة الإرهابي المهندس، وبذات المضمون (أمريكا/ السعودية)، كل ذلك لم يأت عبثا، بل بتخطيط الحرس الثوري لإعادة الوعي العراقي المتنامي إلى خانة الصفر، والاستمرار في دعم المشروع الفارسي تحت التخدير الممنهج!

حديثه عن لبنان وعن اليمن جاء مقتضبا، أما العراق الميدان الأول الذي يغذي الجبهات الفارسية، ويمد إيران بما يخفف عنها آلام الحصار الدولي، فهو لب هذا الخطاب البائس، ولن يجد صداه المأمول مهما هلل له المؤمنون بالحزب ممن لا يزالون مخدوعين، والإخوان المسلمون التعساء الذين خسروا كل شيء ولم تبق لهم الجعجعات عبر بعض النوافذ الإعلامية، وهي جعجعات تجاوزها المجتمع العربي بعد إيمانه أنهم (الإرهابيون المفلسون)!