الرأي

دهشة السؤال في مقهى سقراط

مالك أحمد الشمراني
قبل أيام كنت مشاركا في مؤتمر الرياض للفلسفة متوقعا أن أجد ما أصبو إليه؛ فوجدت أفضل مما توقعت وقد كان شعار المؤتمر «اللامتوقع».

وفي أجندة اللقاء كان مقهى سقراط شارف على البدء فتناولت قهوتي وجلست وإذ بأستاذ الفلسفة الأمريكي كريستوفر فيلبس قائما متوشحا أسلوب سقراط في إدارة الأسئلة الفلسفية، ونحن في دهشة وهو في ألق فريد، وقد استهل حديثه بسؤال: أيهما أفضل للعيش الحياة المتوقعة أو اللامتوقعة؟ ساقني هذا السؤال إلى أسراب لا حدود لها من الأفكار والحيرة والدهشة في آن واحد، لكن بناء على الأحداث والأقوال التاريخية حول المتوقع واللامتوقع في حياة الناس فإن الشائع في حياة الناس هو أن يجدوا ما يتوقعونه، فالتوقع بالشيء موكل بالبداهة العقلية، فحينما تذهب إلى مناسبة لا داعي أن تأخذ ثوبا آخر احتياطيا ما دمت لا تدخن ولا تشرب القهوة أو الشاي أثناء رحلتك؛ لأن احتمالية تلف الثوب غير متوقعة، ولا يمكن أن تتوقع سقوط طائرة عليك وأنت جالس على الأريكة تشاهد خبر سقوط طائرة على منزل في أحد الدول المنكوبة وهي بعد المشرقين عنك.

لكن ماذا لو توقعت؟

يروى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - دخل على رجل يعوده، فقال: «لا بأس طهور إن شاء الله».

فقال: كلا، بل حمى تفور على شيخ كبير كيما تزيره القبور. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فنعم إذن» وفي رواية أنه مات في اليوم التالي. كانت احتمالية موت الرجل ضعيفة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا له بالشفاء. وقد قال الأول:

‏فكم من صحيح مات من غير علة

وكم من سقيم عاش حينا من الدهر.

أي أن الذي تتوقعه سيحصل حتى لو كان غير متوقع. رحل الرجل كما رحلت عين المؤمل بعدما قال:

شف المؤمل في الحيرة النظر

ليت المؤمل لم يخلق له بصر

وفي اليوم التالي استيقظ وهو لا يبصر ثم قال:

احفظ لسانك أن تقول فتبتلى

إن البلاء موكل بالمنطقي

وقوع الأشياء اللامتوقعة كبير جدا حينما تتوقع حدوثها سواء تلفظت أو فكرت بها، يقول المثل الشعبي (الذي يخاف من العفريت يطلع له) وفي النقيض الذي لا يخاف من العفريت لا يطلع له فالخوف يأتي من طيلة التفكير في الأشياء اللامتوقع حدوثها فتقع.

يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي) يعني إن ظن بي خيرا فله، وإن ظن شرا فله، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب الفأل. الخلاصة أن نتوقع الحياة الإيجابية المترعة بالخير فإننا سنجدها نصب أعيننا.

فما أجمل الأسئلة الخلاقة التي تثير الدهشة وتكشف عن الأفكار وقوة عقول البشر إذ أن عقول البشر خلقت سليمة لتفكر تفكيرا سليما تحركها الأسئلة التأملية المدهشة وتتفاعل معها بطبيعتها.​ ابنوا حولكم مقاهي من الأسئلة السقراطية ولا تخشوها.

ma4lik_@