الرأي

المحيط الهادئ ساحة للصراع

عبدالله العولقي
اعتبر البعض أن خروج الولايات المتحدة من أفغانستان بمثابة الهزيمة أمام القوات الطالبانية، بيد أن مؤشرات الواقع تنذر بأن واشنطن كان باستطاعتها المكوث والبقاء في كابول لو أرادت؛ لكن التغيرات الجيوسياسية العالمية والصعود المتنامي للتنين الصيني قد أجبراها على إحداث تحول جذري في منهجيتها الخارجية، ونقل ثقلها العسكري والاقتصادي إلى جغرافيا مياه المحيط الهادئ، منطقة الصراع الدولي القادم.

في عام 2013، صرح توماس دونيلون مستشار الأمن القومي الأمريكي، أن هدف الولايات المتحدة يرتكز على أن 60% من أسطول البحرية الأمريكية سينتشر في منطقة المحيط الهادي بحلول عام 2020، وسيعمل البنتاجون على إعطاء الأولوية لقيادة المحيط الهادئ بالنسبة لمعظم القدرات العسكرية الأمريكية الحديثة، وهذا التصريح المبكر ينذرنا عن تلك الإرادة السابقة ويفسر لنا ما يحدث اليوم بالفعل.

إن ما نراه اليوم من تغيرات جذرية لسياسة الولايات المتحدة تجاه تحالفاتها ومنهجيتها هو أمر مخطط له مسبقا، ولا يخفى أن الصين وراء كل ذلك، ولهذا جاءت مرحلة الانسحاب وإعادة التموضع كمرحلة أساسية ضمن المنهجية الاستراتيجية الجديدة، ففي عهد الرئيس السابق دونالد ترمب تم سحب القوات الأمريكية المتبقية من ألمانيا، وبعدها أعلن عن نية البيت الأبيض في سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وبعد خسارته في الانتخابات الخارجية وخروجه من البيت الأبيض، تابع خلفه جو بايدن مرحلة الانسحاب والتي جاءت بصورة سريعة ومفاجئة للعالم.

لا شك أن قضية تايوان ستكون جزءا أساسيا في الصراع القادم؛ فحسب الاتفاقيات المبرمة فإن جزيرة تايوان الواقعة شرق المحيط الهادئ ستعود إلى الصين الأم في عام 2025، وهذا بالطبع ما تعارضه واشنطن، فقبل عدة أسابيع، رحبت واشنطن بترشح تايون للانضمام إلى اتفاق الشراكة الشاملة عبر المحيط الهادئ، ودعت الصين إلى وقف ضغوطها العسكرية على تايوان، بينما طالبت بكين الولايات المتحدة بالتوقف عن دعم القوى الانفصالية في تايون للحفاظ على الاستقرار والسلام في منطقة المحيط الهادئ.

ومن جهة أخرى، تنظر الولايات المتحدة إلى أستراليا بالأهمية القصوى ضمن منهجيتها الجديدة، ولا يخفى أن إعلان تحالف أوكوس الأخير والذي يضمهما مع بريطانيا سيكون له أدوار فاعلة في صراعات المحيط الهادئ باعتبار أن صفقة الغواصات النووية الأخيرة ستحول أستراليا إلى قوة نووية تهدد الأطماع الصينية بشكل مباشر في مياه المحيط الهادئ، وبهذا ستتأثر العلاقات الصينية الأسترالية بصيغة سلبية على الرغم أن أستراليا كانت ولا زالت تعتمد في وارداتها التجارية بشكل أساسي على المصانع الصينية!!

وأخيرا، يبدو أن ملامح الحرب الباردة الجديدة التي بدأت مراحلها بين واشنطن وبكين بهجمات سيبرانية متبادلة ومعارك تجارية شرسة وأصوات إعلامية متراشقة قد شرعت بالتحول إلى مرحلة تالية تتأسس على عسكرة تنافسية في المحيط الهادئ، هكذا هي الصورة الآن، والعالم كله يأمل أن تظل المواجهة تحت سقف ضبط النفس؛ لأن الانجراف وراء القوة النووية يعني دمار الكوكب الأرضي برمته!!

albakry1814@