ظاهرة التأليف الوردي!
الاحد / 26 / صفر / 1443 هـ - 20:56 - الاحد 3 أكتوبر 2021 20:56
في كل عام تزداد مساحة الرفوف وصفوف الكتب التي تطرح في المكتبات ومعارض الكتب وتوزع أيضا كهدايا مجاملة بين الرفاق والأصدقاء والمسؤولين، وهي ظاهرة تبدو جيدة حينما ننطلق من فهمنا لقيمة التأليف ونتاج العقول وتقدم العلم والمعرفة الإنسانية.
بيد أن هذا اليقين يبدأ في الاهتزاز حينما نجد أنفسنا أمام طوابير من المؤلفين والمؤلفات الذين يحوم جل نتاجهم التأليفي حول ما يشبه الخواطر والأشعار والسير المفرغة من الدروس والربط بالواقع الإنساني والروايات التي لا تحمل حبكات يعتد بها ويمكن أن تحيلها يوما لنتاج سينمائي أو تلفزيوني أو حتى إذاعي معتبر!
مشهد معاصر يجعلنا نشعر أن جل مجتمعنا كتاب ومفكرين وأدباء وروائيين وشعار فلا تعلم من يقرأ لمن؟ ومن يكتب لمن؟ بل تكاد تجزم أن بعض هذه المؤلفات لا تتجاوز في تأثيرها الفعلي قلم كاتبها الذي يرتكز طرفه الفاخر على ناصية جيبه العلوي!
الكتابة والتأليف ليست ترفا من حيث المبدأ! وحينما يفكر أحدهم في الكتابة فإن ألف سؤال وسؤال يجب أن يتراقص أمام عينيه! ومنها: هل أنا فعلا أمتلك القدرة على الكتابة؟ ما هي المهارات التي أمتلكها وما تلك التي أحتاجها لأكون كاتبا؟ هل المجال الذي سأكتب عنه حي أم ميت؟ مطلوب أم مغرق بالنتاج السابق؟ من هي الشريحة المستفيدة مما أكتب؟ وهل لهم وجود فعلي في المجتمعات التي أنوي نشر مؤلفي بينهم؟ هل كتبت ما كتبت ليقرأ أم ليصطف على الرفوف مع بقية الكتب المسجونة منذ سنين في ذات المكان؟ هل استشرت أهل القلم والدواة قبل أن أقدم على هذه الخطوة أم أنها نزوة تنتظر غلاف الكتاب المزخرف والصفحة الأولى التي سأوقع فيها للمهدى إليه وفلاشات الكاميرات حولي يكاد يذهب وميضها بالأبصار؟
كل هذه التساؤلات مهمة بل إنها واجبة في زمن غلا فيه سعر الورق والأحبار والطباعة والتسويق والشحن والتوصيل والتقنية لينتهي الأمر بمنتج ضئيل لا يساوي ما صرف عليه من وقت ومال!
الكتابات التخصصية أصبحت تشعر بغربة في النتاج المحلي تحديدا فجل القوم هائمون ومغرمون ومتيمون بالجمال لذا فهم لا يملكون وقتا لمساءلة النظرية النسبية، أو فهم لوغاريتمات التقنية المعاصرة أو فك رموز الظواهر الطبيعية في المساحات الجغرافية المتناثرة على كوكبنا الحالم!
المساحة العلمية تختنق وربما تحتضر في غضون بضع سنين أمام زهور العشاق وإيحاءات العذال وتورية وجناس وطباق أهل الهيام والجوى! حسرة مطبقة أننا لا نكاد نرى نتاج لغوي تخصصي ولا فيزيائي نظري أو تطبيقي مبهر، ولا وجود قوي لكتب في الرياضيات والجيولوجيا والبرمجيات والفلك، ولا نتاج حول معدات الدفع والرفع والتعليق والتخصيب والأجنة والطب الجزيئي وفروع الهندسة الميكانيكية والكهربائية والحاسوبية والإنشائية وقل ما شئت!
إن ظاهرة التأليف ليست دوما ظاهرة إيجابية! بل ربما كانت سبيلا لمزيد من تسطيح الأفهام وتقزيم المعرفة إذا نحت منحى التكرار في محتواها الذي يقدم الفرع على الأصل واللهو على الحاجة والتأملات على الحقائق والعواطف على العقول والمساحات العامة التي تحتمل الخطأ والصواب على المساحات التخصصية العميقة التي تدفع بعجلة التقدم وتيسر حياة البشر وتصنع لهم مستقبلا أمثل.
ولا أستطيع أن أغادر هذه المساحة قبل أن ألقي بلوم لا ينقطع على بعض دور النشر التي أصبحت كالقطار البخاري في مدن الملاهي والذي يمكن لأي أحد أن يتعلق به لبطء سيره وسهولة التشبث به، مع يقيني التام أن قوة دور النشر معقودة ببراعة المؤلفين الذين يطرقون أبوابها بنتاجهم المعرفي عدة مرات فما تزال تردهم مرة تلو الأخرى لينقحوها ويوثقوها ويتأكدوا من محتواها قبل أن يؤذن لهم لينالوا شرف النشر من خلال تلك القلعة وحينها يكون المؤلف بارعا والمحتوى رصينا والناشر بطلا.
dralaaraj@