العالم

أسد أفغاني يتصدى لطالبان.. والشباب يودعون الجينز

نجل القائد التاريخي يعلن استعداده لحمل السلاح ضد الحركة ويستنجد بالغرب مسعود: والدي أول من طرح فكرة السلام على الحركة وتحول لبطل وطني انتقال السلطة يجري ببطء والشعب يبحث عن صور حكامه الجدد مقدمة البرامج شبنام دوران عادت إلى منزلها ولم يعد بإمكانها العمل

أحمد مسعود الابن بين عمدة باريس آن هيدالغو ونائب الرئيس الأفغاني السابق عبدالله عبدالله
فيما أعلن أحمد مسعود نجل أحمد شاه مسعود، القائد التاريخي للمقاومة الأفغانية الملقب بـ «أسد البانشير» استعداده للسير على خطى والده، وحمل السلاح ضد طالبان التي سيطرت على البلاد، أصبحت العاصمة كابول خالية تماما من سراويل الجينز، وبدأ السكان يتكيفون مع الوضع الجديد، ويدركون أن حياتهم ستتغير في الفترة المقبلة.

وطالب أحمد مسعود، الذي يقيم في واحدة من المناطق القليلة في أفغانستان، التي لم تخضع لطالبان، بمساعدة غربية للمقاومة بعد ما يقرب من 20 عاما من مقتل والده أحمد شاه مسعود على يد منتمين لتنظيم القاعدة، وقال في مقال بـ»واشنطن بوست» الأربعاء «لدينا مخازن ذخيرة وأسلحة جمعناها بصبر منذ عهد والدي؛ لأننا علمنا أن هذا اليوم قد يأتي».

وأشار إلى إن والده جمع مقاتلي المقاومة في نفس المنطقة التي كان فيها قائدا للمجاهدين عندما سيطرت طالبان على أفغانستان قبل نهاية القرن الماضي، وقال نجل مسعود «إن والده اغتيل في 9 سبتمبر 2001، قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر، على يد إرهابيي القاعدة، وهو يقاتل من أجل أفغانستان وكذلك من أجل الغرب».

أيقونة أفغانية

وتنتشر صور أحمد شاه مسعود (الأب) بقبعته التقليدية الشهيرة على جدران كابول بعد 20 عاما على اغتيال زعيم الحرب الذي قاتل السوفيت وحركة طالبان وتحول إلى «بطل قومي» لدى الأفغان، ففي العاصمة، تستقبل صور هذا الرجل الذي قاتل طوال حياته من أجل استقلال أفغانستان، الزائر في المطار وتطل على ساحة مركزية.

وتثير أعمال الرجل الذي كان يلقب بـ»أسد بانشير» الوادي الذي يتحدر منه في شمال كابول، إعجاب العديد من الأفغان المنهكين بسبب النزاع الذي لا ينتهي في مواجهة طالبان والذي أصبح في سنته الثامنة عشرة.

تميز أحمد شاه مسعود خصوصا بعبقريته العسكرية التي نجا وادي بانشير بفضلها من كل تدخل خلال الاحتلال السوفيتي الدموي (1979-1989) ثم في عهد طالبان (1996-2001)، وقال النائب العام لبانشير شمس الله جاويد أحد المجاهدين القدامى «لكل بلد بطل وطني ومسعود معروف في جميع أنحاء العالم كبطل وطني».

بطل وطني

ويروي نجله الوحيد أحمد (29 عاما) الذي يدير مؤسسة تحمل اسمه أن والده كان يخطط لأبعد من النزاع، وقال «كانت لدية رؤية لأفغانستان: بلد سلمي مع علاقات جيدة بين كل الاتجاهات ومع الدول المجاورة»، وأشار إلى أن والده كان أول من طرح مع طالبان فكرة الحديث عن سلام، بينما تحاول الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية حاليا التفاوض حول اتفاق معهم.

وتابع الشاب بأسف «إنه بعد عقدين من مقتل والده لم يصل السلام بعد وكثير من الأفغان يعتقدون أنهم بحاجة إلى مسعود ما ليكون مخلصهم من جديد».

واغتيل أحمد شاه مسعود في سن السابعة والأربعين من قبل شخصين إدعيا أنهما صحفيان لكنهما كانا انتحاريين من تنظيم القاعدة، وقال المؤرخ مايكل باري «إن شاه مسعود قاتل ضد اثنين من الأنظمة الاستبدادية الكبرى في القرن العشرين: الشيوعية والتيار المتشدد»، وثالثهما هو النازية.

مجازر ونهب

وأضاف الخبير في شؤون أفغانستان الذي أمضى وقتا طويلا معه وكتب سيرته «على مر الوقت تبددت الخيارات السياسية التي التزمها واختفت وراء صورة رمزية لرجل وهب حياته في الدفاع عن بلده»، وتابع «هذا ينطبق على شاه مسعود في أفغانستان وكذلك شخصيات مثل ونستون تشرشل أو شارل ديغول في أوروبا الغربية: نشهد تحويلا لشخصيات سياسية إلى أيقونات».

ولا تخلو سيرة القائد صاحب الحضور القوي من عيوب. ففي شبابه عندما كان طالبا وكغيره من القادة المجاهدين الآخرين، تأثر بتيار الإخوان المسلمين قبل أن يقطع صلاته بهم في 1978.

ويذكر مؤيدوه بأنه كان يلقي قصائده على جنوده لكن رجاله متهمون بمجازر وعمليات نهب خلال الحرب الأهلية (1992-1996) التي أسفرت عن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا وحولت كابول إلى كتلة أنقاض.

الأسد الأفغاني

وهالة «الأسد» الأفغاني رمز التمرد، التي تحيط به جاءت أيضا من بعض الصور الفوتوغرافية التي اشتهرت مثل الثائر تشي جيفارا، ويؤكد يوسف جانيسار المصور الأفغاني أنه لم يلتق يوما شخصا على هذا القدر من الجاذبية للتصوير»، ويذكر المصور الفرنسي الإيراني رضا ديغاتي المعروف باسم رضا والذي اشترك مع الياباني هيرومي ناغاكورا في نشر الصور الأكثر رمزية لشاه مسعود أن ملامحه تتسم «بمزيج آسيوي وشرقي (...) هذا أمر نادر جدا».

ويرى رضا أن شاه مسعود كان يجسد «العزة» الأفغانية وهو «الوحيد في التاريخ الحديث الذي يمثل الروح الأفغانية»، ويؤكد أنه لم يكن يترك شيئا للصدفة وكان يعتني بصورته، كما يؤكد المقربون منه.

وتنتشر صور الشاه مسعود على القمصان والحمالات والمفاتيح والأكواب التي تباع في أسواق كابول وفي محل مجاور للضريح الذي أقيم له في بانشير.

سراويل الجينز

وفيما يتكيف سكان العاصمة الأفغانية، يظهر رجل عنيد يدعى إحسان أميري مازال يرتدي السراويل الجينز، في تصرف يعد تحديا لعناصر حركة طالبان، بعد أيام من سيطرتهم على مدينته وبلاده، حيث إنه يعلم أنهم لا يحبون هذا النوع من السراويل الذي يعرف في أفغانستان باعتباره لباس رعاة البقر «كاو بويز».

ويقوم المسلحون بعمل دوريات بالسيارات في شوارع كابول، ويحرسون مبنى عاما وبعض المنازل في الحي الذي يعيش به إحسان ورغم ذلك، ارتدى إحسان سرواله الجينز، وتوجه إلى المقهى المفضل لديه في منطقة «شهر ناو» بوسط المدينة، في أول مرة يغادر فيها منزله بعد ثلاثة أيام من بقائه داخله.

ويشار إلى أن المقهى هو أحد أكثر المقاهي شعبية في البلدة، ودائما ما يكون مكتظا بالزبائن، وعادة ما يجلس الرجال، ذوو تسريحات الشعر الأنيقة وسراويل الجينز الضيقة، في الطابق الأرضي من المقهى، ليتحدثوا ويتسامروا ويتبادلوا الضحكات، بينما تجلس العائلات في الطابق العلوي.

الزي التقليدي

ويقول إحسان في سلسلة من الرسائل الصوتية، «إن كل شيء مختلف»، مضيفا «إن هناك قلة قليلة من الزوار هنا، وجميعهم تقريبا يرتدون الـ (بيران تونبان).

ويشار إلى أن «بيران تونبان» هو مصطلح باللغة الفارسية المستخدمة في أفغانستان، ويعني الزي التقليدي للرجال هناك، وهو عبارة عن سروال واسع وقميص طويل.

ومع ذلك، مازال هناك عدد قليل نسبيا من العلامات البصرية التي تشير إلى حدوث تغيير في المكان، ومن الممكن تقريبا أن ننسى لفترة وجيزة أن المسلحين الذين اعتادوا العمل سرا، هم من يقومون بإدارة الموقف حاليا.

وبالنسبة لبعض سكان المناطق الحضرية في كابول، فإن عناصر طالبان يعتبرون أجانب، شأنهم شأن أي شخص آخر من خارج البلاد، بحسب ما يقوله باحثون في مؤسسة «أفغانستان أناليستس نتورك» البحثية، التي تتخذ من كابول مقرا لها.

الحكام الجدد

وتسير عملية انتقال السلطة بصورة بطيئة في الوقت الحالي، لذلك فقد بدأ الأفغان في التعرف ببطء على وجوه حكامهم الجدد، الذين لم يسمعوا عنهم حتى الآن إلا من خلال البيانات التي تذاع عبر الإنترنت، أو ضمن التغريدات التي تنشر على موقع «تويتر»، أو من خلال البيانات الإذاعية.

ورغم أن كل من يهتم بمتابعة الأخبار يعرف اسم المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، فقد رأى معظمهم وجهه لأول مرة يوم الثلاثاء، عندما عقد مؤتمرا صحفيا علنيا.

وعلى الرغم من النبرة التصالحية الأولية من جانب طالبان، يتوخى الكثيرون الحذر، ويخشون من مواجهة حالة متوقعة من أعمال القمع.

من ناحية أخرى، تم إخبار شبنام دوران، وهي مقدمة برامج تلفزيونية معروفة في أفغانستان، إنها لا يمكنها العمل بعد الآن، وذلك رغم أنها ظهرت ببطاقة هويتها وهي ترتدي الحجاب. حيث قيل لها «عودي إلى المنزل، لقد تغير النظام».

تفتيش المنازل

ووردت أنباء غير مؤكدة بشأن قيام طالبان بتفتيش منازل مسؤولين حكوميين سابقين، أو أفراد من القوات المسلحة.

ويرى إحسان وهو يستعد للخروج من المقهى المفضل لديه في كابول، انخفا في حركة المرور، عندما ينظر إلى الشارع من النوافذ الزجاجية الكبيرة داخل المقهى، ويقول «إن هناك العديد من المتاجر التي لم تفتح أبوابها بعد».

ويلخص الوضع قائلا «لا يبدو أن المدينة قد تعافت بعد من الصدمة التي تعرضت لها يوم الأحد الماضي».

ويعيش سكان كابول وبقية المدن الأخرى في أفغانستان في حالة ترقب لما سيحدث في الفترة المقبلة، فيما تتواصل الاحتفالات في البلد المجاور باكستان بعودة طالبان للسلطة مجددا.