العالم

هل يقاطع الإيرانيون مسرحية الانتخابات؟

حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أن النخب السياسية أدوات في يد المرشد

الإيرانيون محبطون ولا تشغلهم الانتخابات (مكة)
كشفت استطلاعات للرأي أجريت أخيرا في طهران أن الإيرانيين محبطون وساخطون على حكامهم، وأن الغالبية العظمى لا ترغب في النزول والمشاركة في المسرحية الهزلية التي تجري تحت مسمى (الانتخابات الرئاسية) والمقررة يوم 18 يونيو المقبل.

وظهرت حملات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي تحث الناس على مقاطعة النخبة السياسية التي تربت على القمع والظلم منذ اندلاع الثورة الخمينية قبل أكثر من 4 عقود، في ظل شعورهم أن الرئيس الجديد سيكون مجرد أداة يستخدمها المرشد الأعلى وأصحاب العمامة لتنفيذ أجندتهم الإرهابية.

وأكد تقرير لموقع راديو (فاردا) نقلته قناة (الحرة) الأمريكية، إنه بالنسبة للعديد من الإيرانيين فإن التصويت في الانتخابات يعد اختيارا بين السيئ أو الأسوأ، وأن الأغلبية يرون أن الانتخابات في بلادهم مقيدة بشكل كبير، حيث التيار المتشدد في مجلس صيانة الدستور، الذي يسيطر عليه المرشد الإيراني علي خامنئي ويعين أعضاءه، المرشحين مسبقا.

مقاطعة الانتخابات

يؤكد التقرير أن كثيرا من الإيرانيين يرون أن مقاطعة الانتخابات هي الخيار الوحيد؛ لأن المسؤولين المنتخبين لا يمتلكون الصلاحيات الكافية للتغيير، كما أنهم فشلوا في السابق في تحقيق وعودهم، وتشير استطلاعات الرأي والنقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى وجود قائمة طويلة من المظالم ساعدت في نمو مناخ المقاطعة للعملية الانتخابية في إيران.

ويلفت التقرير إلى أن كثيرا من الإيرانيين مستاؤون من الاقتصاد المتعثر الذي سحقته العقوبات الأمريكية المستمرة، بالإضافة إلى أنهم غاضبون من القمع الذي مارسته السلطات خلال احتجاجات عام 2019، فضلا عن انتشار الفقر والفساد والمحسوبية.

وينظر إلى العديد من السياسيين على أنهم غير أكفاء، فضلا عن وجود إحباط من سوء تعامل السلطات مع جائحة كورونا والبطء الحاصل في حملات التطعيم ضد الفيروس.

قلق الحكام

وتعد نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل عامين هي الأدنى في تاريخ إيران، حيث لم تتجاوز 43 %، الأمر الذي أثار قلق زعماء البلاد الذين كانوا يتفاخرون في السابق بنسب المشاركة المرتفعة في الانتخابات، وكيف أنها تضفي الشرعية على النظام الحاكم.

وتؤكد استطلاعات رسمية للرأي أجرتها مؤسسات تابعة للسلطة، إلى أن الإقبال على الانتخابات الرئاسية قد يصل إلى مستوى متدنٍ جديد، وخلص استطلاع، أجرته وكالة أنباء الطلبة الحكومية، إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة تقدر بنحو 40 % فقط وهي الأدنى في إيران منذ قيام الجمهورية الإيرانية في عام 1979.

وأظهر استطلاع آخر أجراه التلفزيون الذي تسيطر عليه الدولة، في أوائل مايو، أن 51 % من المشاركين في الاستطلاع قالوا «إنهم لا يخططون للتصويت»، مقارنة بـ 30 % أكدوا أنهم سيدلون بأصواتهم.

انفتاح خاتمي

وظهر المحافظون في الإعلام الإيراني اعتبارا من 1997، العام الذي شهد انتخاب الإصلاحي محمد خاتمي رئيسا للجمهورية، وقبل ذلك الحين، كان التصنيف (يمين) و(يسار) هو الحاضر في التركيبة السياسية لمن اتبعوا خط الخميني، وشكلوا نقطة ثقل السياسة المحلية بعدما أبعدت مطلع الثمانينات القوى الأخرى التي أسهمت في الثورة الإيرانية لعام 1979، مثل الماركسيين والليبراليين والقوميين.

واعتبارا من 1988-1989، وهي الفترة الزمنية التي شهدت انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ووفاة الخميني، هيمن اليمين تدريجا على السياسة المحلية مع تراجع الطرف الآخر، واختلف الطرفان بشكل أساسي حول دور الدولة في الاقتصاد، إذ أيد اليسار تدخلها، في حين كان اليمين محبذا لمحدودية دور كهذا.

وشهد العام 1997 نقطة تحول بفوز (اليساري) خاتمي بالرئاسة، ليطلق سياسة إصلاحية ارتكزت بشكل كبير على الانفتاح على الغرب.

خسارة مريرة

وفي تقرير لوكالة فرنس برنس، يقول المؤرخ جعفر شير علي نيا «اليمين الذي تعرض حينها لخسارة مريرة في الانتخابات، بدأ تدريجا إعادة بناء نفسه»، ويضيف «التيار أعاد بناء نفسه بشخصيات شابة حملت تسمية مواجهة للإصلاحيين، هي الأصوليون».

ويوضح الصحفي فرشاد قربانبور أن هؤلاء يعتبرون أنفسهم مؤيدين لمبادئ ثورة 1979، ما يؤشر ضمنيا من وجهة نظرهم إلى أن التيار الآخر، الإصلاحيين، ابتعد عن القيم التي دافعت عنها الثورة، مثل الاهتمام بالطبقات الشعبية، والعداوة للغرب، وأولوية الإسلام.

وكان لاريجاني في تلك الفترة مشرفا على التلفزيون الرسمي، وأحد الأصوات المحافظة الشابة نسبيا (في العقد الرابع من العمر)، التي لم توفر حكومة خاتمي من الانتقادات.

مثل روحاني

ولم يتمكن المحافظون، بشقيهم المعتدل والمتشدد، من منع فوز المعتدل حسن روحاني بالانتخابات الرئاسية، وعارض الأصوليون سياسته التي اتسمت بانفتاح على الغرب، متهمين إياه بتهديد المصالح العليا لإيران، لكن إبرام الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، والذي حظي بمباركة نهائية من خامنئي، بدل المعطيات، فساند المحافظون الوسطيون الاتفاق وروحاني ضمنا، ومنهم لاريجاني الذي صادق مجلس الشورى خلال رئاسته له، على الاتفاق.

وبقي الثوريون على موقفهم، وهو ما انعكس في الأيام الماضية مع التمهيد للانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ تداول مؤيدون للمحافظين المتشددين صورة مركبة تظهر وجهي الرئيس الحالي والمرشح لاريجاني، مع تعليق «لاريجاني ليس سوى روحاني آخر».

انقسام كامل

وينتظر أن تؤدي الانتخابات الرئاسية الإيرانية إلى ترسيخ كامل للانقسام في معسكر المحافظين، بعد عملية تفكك طويلة عرفها الجناح اليميني في الخريطة السياسية لإيران.

وحتى قبل مصادقة مجلس صيانة الدستور وإعلان اللائحة النهائية لأسماء المرشحين المتنافسين في انتخابات 18 يونيو، ترجح وسائل الإعلام الإيرانية أن يكون السباق الرئاسي ثنائيا بين المحافظ (التقليدي) علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى بين العامين 2008 و2020، والمحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي الذي يشغل منصب رئيس السلطة القضائية منذ 2019.

وبدأ التباعد بين أطياف التيار المحافظ على هامش احتجاجات (الحركة الخضراء) التي رافقت إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد عام 2009، ووقع الافتراق بعد الاتفاق حول البرنامج النووي بين طهران والقوى الكبرى عام 2015.

العنوان العريض

وشكل انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة فرض عقوبات قاسية على طهران، قوة دفع للمحافظين المتشددين الذين كثفوا انتقاداتهم لحكومة روحاني، في ظل الأزمة الاقتصادية التي بدأت تعانيها البلاد في ظل العقوبات المتجددة.

ومع اقتراب الانتخابات، وفي ظل مباحثات في فيينا لإحياء الاتفاق النووي، يبدو أن المتشددين - ومنهم إبراهيم رئيسي الذي نال 38 % من الأصوات لدى خوضه الانتخابات الرئاسية لعام 2017 - يميلون إلى العنوان العريض بتأكيد أولوية رفع العقوبات الأمريكية، وضمنيا عدم فك الارتباط بشكل كامل مع اتفاق العام 2015 المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة.

ويتوقع أن يتمحور تباين الرؤى بين رئيسي ولاريجاني بشكل أكبر على الاقتصاد وموقع إيران في العالم، مع ميل الأول إلى نظام اقتصادي مركزي وتوجس من الغرب، في مقابل جنوح الثاني

نحو الانفتاح ونظام اقتصادي أكثر حرية.

وأبرز لاريجاني قبل أيام انفتاحه على نقاش (الحريات الاجتماعية)، معتبرا أن هذه المسألة التي تشكل ملفا حساسا للمتشددين، أمرا في غاية الأهمية.

انتقادات نجاد

وفيما يبدو التنافس على الرئاسة منحصرا في الانتخابات بين إبراهيم رئيسي وعلي لاريجاني، يستبق الرئيس الأسبق والمرشح المحتمل للرئاسات الإيرانية المقبلة، محمود أحمدي نجاد موعد الحملة الانتخابية، بطرق ومواضيع تشد الناخبين.

واستغل نجاد كغيره تطبيق (كلوب هاوس)، ليرفع سقف مغازلته للناخبين بالقول «إذا أراد الشعب تغيير أي جزء من الدستور، فإن إرادة الشعب هي الأساس، وولاية الفقيه يجب أن تكون أيضا رمزا ومظهرا من مظاهر الإرادة العامة».

وانتقد الرئيس الإيراني الأسبق الحرية في بلاده، بنبرة مختلفة عن خطاباته السابقة، حين قال «إنه بدون الحرية يستحيل وجود نمو وازدهار»، معددا ممارسات النظام وتضييقه على مناهضيه.

وقال للمشاركين في الغرف الصوتية بتطبيق (كلوب هاوس) «إن كل من ينتقد إيران يتعرض للسجن»، وتساءل «هل تدافعون عن الوضع الراهن؟ لقد أغلقتم الباب أمام النقد لدرجة أنه يبدو خروجا عن المألوف. وقد حددتم دائرة اختيار المواطنين».

تناقض وكذب

وكشف تقرير لمحطة (إيران إنترناشيونال) الناطقة بالعربية كذب ونفاق نجاد، حيث قال في اجتماع للحكومة عام 2011 «إن ولاية الفقيه استمرار لمسيرة الإمام المهدي، وإرث عظيم وقيم انتقل إلينا منذ مئات السنين، وستعمل هذه الحكومة بكل ما أوتيت من قوة في هذا الاتجاه والنهوض بإيران».

ووصف النظام الانتخابي في إيران بالدقة والشفافية، عام 2009، بل أعلى من قيمة الشعب، قائلا «إنه من يجري ويراقب الانتخابات» وقال في نفس الخطاب إن» الحرية في إيران قريبة من المطلقة».

واستبعد مجلس صيانة الدستور المخول بالنظر في ملفات الترشح مئات المرشحين، بذريعة عدم استيفائهم المستندات اللازمة للترشح، فيما أبقى على قائمة تضم 40 مرشحا فقط، ستخضع للتدقيق أيضا، وينتظر أن يعلن نفس الجهاز في السابع والعشرين من الشهر الجاري، عن القائمة النهائية للمرشحين.

ثورية خامنئي

وخلال انتخابات 2005 شكل الفوز المفاجئ لمحمود أحمدي نجاد دافعا لتقارب معارضين له بين شخصيات من المحافظين التقليديين والإصلاحيين، لكن أزمة انتخابات 2009 وسط إعادة انتخاب أحمدي نجاد المثيرة للجدل مهدت الطريق لولادة ما بات يعرف بالمحافظين المتشددين. ومع الوقت، بات هؤلاء يعرفون عن أنفسهم بصفة أساسية هي (ثوريون)، بوحي قول للمرشد الأعلى علي خامنئي عام 2013 «أنا لست دبلوماسيا، أنا ثوري، وأقول كلمتي بصراحة وصدق».

وعارض المتشددون المحافظين التقليديين، معتبرين أنهم حرس الستاتيكو.

المشاركة الإيرانية في الانتخابات

40 % النسبة المتوقعة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية

43 % نسبة المشاركة في انتخابات البرلمان الأخيرة

51 % قالوا إنهم لن يصوتوا في استطلاع للتلفزيون الرسمي

73 % نسبة المشاركة في انتخابات 2017 الرئاسية