الرأي

الحرب الباردة (الدبلوماسية الحديثة وطرق الحرير)

عبدالله العولقي
لا شك أن الحرب الباردة التي تخوضها واشنطن اليوم تختلف في طبيعتها وواقعها عن تلك التي انتصرت فيها سابقا على منظومة الاتحاد السوفيتي أواخر الثمانينات والتي اعتمدت حينها على فكرة الدبلوماسية التقليدية، فهي اليوم تواجه موسكو وبكين دفعة واحدة، وإن الأخيرتين تسعيان بشدة إلى تدشين عصر جديد للعالم يترسخ على مستقبل سياسي يقوم على تعدد القطبية الدولية واحترام التعدد الثقافي الإنساني.

دبلوماسية واشنطن التقليدية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان لم تعد تجدي نفعا في مواجهتها الإعلامية والسياسية أمام غريمتيها بكين وموسكو، فقد تلقت واشنطن ردودا عنيفة باعتبار أنها لم تنجح حتى الآن في معالجة قضايا العنصرية تجاه الأمريكان من ذوي الأصول الأفريقية بالشكل الذي يؤهلها لطرح مسألة حقوق الإنسان أمام غيرها، كما أن حادثة اقتحام الكونجرس الأمريكي التاريخية لا تزال تثير علامات الاستفهام تجاه واقع وحقيقة الديمقراطية الأمريكية، هذا كله يتعلق بشأن الدبلوماسية الناعمة، أما واقع العقوبات الأمريكية فقد ردت عليها الصين وروسيا ولأول مرة في التاريخ بعقوبات مماثلة كدلالة إعلامية على دخول الحرب الباردة القائمة مرحلة هامة وجديدة.

لا شك أن صراع الحرب الباردة سيولد تحالفات دولية تترسخ في طبيعة تكتلها على نمطية العلاقات البينية والتاريخية بين الأقطاب الرئيسة، فالولايات المتحدة قد شرعت بالفعل على استقطاب بريطانيا والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية والهند أمام المعسكر الآخر الذي سيضم الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران وبعض دول أمريكا اللاتينية، وستكون بيئة الدبلوماسية الحديثة مرتعا خصبا وميدانا فسيحا للتنافس بين المعسكرين كالدبلوماسية الشعبية أو الدبلوماسية السيبرانية وصراعاتها التقنية التي فرضت نفسها على واقع الانتخابات والتأثير الشعبي بالإضافة إلى الدبلوماسية الخضراء أو كما يطلق عليها دبلوماسية البيئة، وهي التي برز استخدامها بشكل ملاحظ في الآونة الأخيرة كقضايا الحد من استخدام الوقود الأحفوري.

أيضا، من أشكال الدبلوماسية الحديثة دبلوماسية الفضاء، وهي تستند في جوهرها على فكرة الحصول على حصة علمية مؤثرة وتقنية عالية، وفرض واقع قومي في التنافسية الدولية على الفضاء، والتي تفرز مع متلازمتها الإعلامية ترسيخ واقع الأمن القومي للدول والحكومات، ولا شك أن أدوات الدبلوماسية الحديثة كما يقول الأستاذ محمود مختار هي مجرد أدوات تكاملية وليست بدائل فعلية عن فكرة ومنهجية الدبلوماسية التقليدية.

وأخيرا، أعلن الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن عن مشروع أمريكي عالمي يوازي مشروع طريق الحرير الصيني، وقد دعا في إعلانه إلى أهمية إشراك حلفاء الولايات المتحدة التقليديين حول فكرة المشروع التي تتضمن إنشاء مشروعات البنى الأساسية من الموانئ والطرق وغيرها في البلدان التي تحتاج إلى مساعدة، وعدم ترك الصين تنفرد بهذه المشروعات الاستراتيجية والحيوية، وبهذا يظهر التباين الفارق بين فريقي الحرب الباردة حول نمطية الدبلوماسية، يقول الأستاذ مصطفى السعيد: دبلوماسية واشنطن تستند على إعلام الديمقراطية وحقوق الإنسان ومنظومة القيم الغربية، بينما تستند روسيا والصين على رفع شعارات التنمية الاقتصادية والتعددية القطبية واحترام التنوع الثقافي للمجتمعات البشرية.

@albakry1814