«النووي» الإيراني وعالم ما بعد «كورونا»
الأربعاء / 4 / شعبان / 1442 هـ - 18:57 - الأربعاء 17 مارس 2021 18:57
أعتقد أن ما يشهده ملف الاتفاق النووي الإيراني من تطورات متسارعة تمثل في أحد جوانبها انعكاسا لما يشهده النظام العالمي من تغيرات في مرحلة ما بعد «كورونا»، فقد كشف تعاطي إدارة الرئيس بايدن، ومن قبله الرئيس السابق دونالد ترمب، عن محدودية قدرة الولايات المتحدة على حشد إجماع دولي حول هذا الملف، بل يمكن القول إن الانقسام الذي حدث في الأعوام القلائل الماضية بين الموقفين الأمريكي والأوروبي حول سبل التعامل مع الملف النووي كان يمثل أحد محفزات التحدي الإيراني للموقف الأمريكي حتى الآن.
لا ننسى جميعا أن الملالي ظلوا يرددون منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي منتصف عام 2018، أن الولايات المتحدة باتت معزولة دوليا في تعاطيها مع الملف النووي الإيراني، وهذه المزاعم تبدو خادعة لكثيرين لأن السياسات الأمريكية في عهد الرئيس السابق ترمب قد انسلخت بشكل عام من الإجماع الدولي في ملفات كثيرة، وليس في الموضوع الإيراني فحسب، ومع عودة الولايات المتحدة إلى سياساتها السابقة في عهد الإدارة الديمقراطية الحالية، والسعي لبناء اصطفاف دولي لا تزال الصعوبات تقف في طريق البحث عن تسوية للأزمة الإيرانية.
الحاصل الآن أن الأزمة الإيرانية برمتها قد اخُتزلت في سؤال المليون دولار، وهو من يعود للاتفاق النووي أولا: ملالي إيران أم الولايات المتحدة؟ والأمر لم يعد يتعلق بالدبلوماسية وما تقتضيه من حلول وما تفرضه من بدائل في مثل هذه المواقف الصفرية، بل يتعلق أساسا باعتبارات وحسابات سياسية معقدة لدى طرف من طرفي الأزمة.
الرئيس بايدن الذي كشف عن نيته مبكرا للعودة إلى الاتفاق النووي يخشى أن يكون قرار العودة بمنزلة هدية مجانية للملالي، الذي يدرك جيدا أنهم لن يمنحوه الفرصة بسهولة للوصول إلى مرحلة الاتفاق الأكثر شمولا بحسب تصوره الاستراتيجي، بينما يريد الملالي دفع البيت الأبيض للعودة غير المشروطة للاتفاق باعتبارها «رد اعتبار» وانتصارا سياسيا ودعائيا ينتظرونه بشغف لحفظ ماء الوجه واسترداد بعض الاحترام الذي غاب عن عيون مؤيديهم بسبب الضربات والانكسارات التي طالتهم منذ مقتل الجنرال قاسم سليماني.
الواقع يقول إن قواعد اللعبة الإقليمية والدولية لم تعد كما كانت في السابق، فالولايات المتحدة لم تعد قادرة على إدارة دفة العلاقات مع الملالي بمفردها وتحتاج إلى دعم بقية القوى الدولية الكبرى، بينما يبدو الاتحاد الأوروبي أكثر انشغالا بتداعيات أزمة «كورونا» على اقتصادات دوله، ولا يبدي حماسا كبيرا للانخراط بشدة في هذه الأزمة، بينما تحاول روسيا البناء على نفوذ استراتيجي دولي راكمته بوضوح في سوريا، ومن ثم لعب دور محوري في تسوية الأزمة الإيرانية من خلال الدعوة لانعقاد مؤتمر للأمن الإقليمي، حيث يرى الجانب الروسي أن المخرج من المأزق الراهن يكمن في دبلوماسية الخطوة/ خطوة، بحيث يقدم الطرفان (الإيراني والأمريكي) تنازلات متبادلة ويلتقيان في منتصف الطريق، بدلا من الإصرار على قيام كل طرف بالخطوة الأولى، وهي رؤية قد تبدو منطقية، ولكنها في حقيقة الأمر تمثل انتصارا للملالي الذين يريدون بالأساس انتزاع اعتراف دولي بتأثيرهم ودورهم الإقليمي المتصاعد.
الشواهد تقول إن الأمور قد تتجه نحو الأخذ بمقترح الخطوات المتزامنة واللقاء في منتصف الطريق، ولكن هذا الخيار سيكون - باعتقادي - أول هزيمة سياسية لإدارة الرئيس بايدن في التعاطي مع القضايا الدولية، لسبب بسيط هو أن الملالي لن يمنحوه مطلقا ما يهدف إليه بشأن الوصول إلى «صفقة شاملة»، فكل همهم ينحصر في رفع العقوبات والحصول على جرعات من الأوكسجين تكفي كي يواصل المفاوض الإيراني كسب الوقت والمناورات ربما حتى انتهاء سنوات الولاية الرئاسية الأولى للرئيس بايدن!
السؤال الذي يترتب على ما سبق هو: هل الوقت في مصلحة الملالي؟ الجواب هو نعم تماما، لأن مرور الوقت من دون تقديم ما يعتبرونه تنازلات في الملف النووي والبرنامج الصاروخي وعدم الانسحاب من سوريا والعراق واليمن، يعني تكريسا للنفوذ الإيراني في مجمل هذه الملفات، ناهيك عن تأثير عامل الوقت في الاقتراب من توقيت امتلاك ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصناعة قنبلة نووية.
معضلة إدارة الرئيس بايدن الآن تكمن في انحسار الخيارات الاستراتيجية المتاحة وتضاؤلها، فهذه الإدارة استأنفت العمل مع الحلفاء في تسوية القضايا والأزمات، وباتت الآن واقعة بين موقف الحلفاء الأوروبيين الذين يضغطون من أجل عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي، وبين موقف الكونجرس الذي وجه نحو 140 من أعضائه رسالة تطالب إدارة الرئيس بايدن بالعمل على التوصل إلى «صفقة شاملة» مع ملالي إيران، والأهم أن المشرعين الأمريكيين يرفضون تقديم تنازلات جديدة ويطالبون بإدراج البرنامج الصاروخي الإيراني في «الصفقة» المزمعة، أما سؤال: كيف تحقق إدارة الرئيس بايدن ذلك فيبقى من دون إجابة في ظل الشواهد الراهنة.
الحقيقة أن التعامل مع أزمة الملف النووي الإيراني قد تكون أحد أهم محددات فاعلية السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس بايدن، بل لا نبالغ حين نقول إنها قد تكون من أبرز محددات الثقل والمكانة الاستراتيجية الأمريكية في عالم ما بعد «كورونا».
drsalemalketbi@
لا ننسى جميعا أن الملالي ظلوا يرددون منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي منتصف عام 2018، أن الولايات المتحدة باتت معزولة دوليا في تعاطيها مع الملف النووي الإيراني، وهذه المزاعم تبدو خادعة لكثيرين لأن السياسات الأمريكية في عهد الرئيس السابق ترمب قد انسلخت بشكل عام من الإجماع الدولي في ملفات كثيرة، وليس في الموضوع الإيراني فحسب، ومع عودة الولايات المتحدة إلى سياساتها السابقة في عهد الإدارة الديمقراطية الحالية، والسعي لبناء اصطفاف دولي لا تزال الصعوبات تقف في طريق البحث عن تسوية للأزمة الإيرانية.
الحاصل الآن أن الأزمة الإيرانية برمتها قد اخُتزلت في سؤال المليون دولار، وهو من يعود للاتفاق النووي أولا: ملالي إيران أم الولايات المتحدة؟ والأمر لم يعد يتعلق بالدبلوماسية وما تقتضيه من حلول وما تفرضه من بدائل في مثل هذه المواقف الصفرية، بل يتعلق أساسا باعتبارات وحسابات سياسية معقدة لدى طرف من طرفي الأزمة.
الرئيس بايدن الذي كشف عن نيته مبكرا للعودة إلى الاتفاق النووي يخشى أن يكون قرار العودة بمنزلة هدية مجانية للملالي، الذي يدرك جيدا أنهم لن يمنحوه الفرصة بسهولة للوصول إلى مرحلة الاتفاق الأكثر شمولا بحسب تصوره الاستراتيجي، بينما يريد الملالي دفع البيت الأبيض للعودة غير المشروطة للاتفاق باعتبارها «رد اعتبار» وانتصارا سياسيا ودعائيا ينتظرونه بشغف لحفظ ماء الوجه واسترداد بعض الاحترام الذي غاب عن عيون مؤيديهم بسبب الضربات والانكسارات التي طالتهم منذ مقتل الجنرال قاسم سليماني.
الواقع يقول إن قواعد اللعبة الإقليمية والدولية لم تعد كما كانت في السابق، فالولايات المتحدة لم تعد قادرة على إدارة دفة العلاقات مع الملالي بمفردها وتحتاج إلى دعم بقية القوى الدولية الكبرى، بينما يبدو الاتحاد الأوروبي أكثر انشغالا بتداعيات أزمة «كورونا» على اقتصادات دوله، ولا يبدي حماسا كبيرا للانخراط بشدة في هذه الأزمة، بينما تحاول روسيا البناء على نفوذ استراتيجي دولي راكمته بوضوح في سوريا، ومن ثم لعب دور محوري في تسوية الأزمة الإيرانية من خلال الدعوة لانعقاد مؤتمر للأمن الإقليمي، حيث يرى الجانب الروسي أن المخرج من المأزق الراهن يكمن في دبلوماسية الخطوة/ خطوة، بحيث يقدم الطرفان (الإيراني والأمريكي) تنازلات متبادلة ويلتقيان في منتصف الطريق، بدلا من الإصرار على قيام كل طرف بالخطوة الأولى، وهي رؤية قد تبدو منطقية، ولكنها في حقيقة الأمر تمثل انتصارا للملالي الذين يريدون بالأساس انتزاع اعتراف دولي بتأثيرهم ودورهم الإقليمي المتصاعد.
الشواهد تقول إن الأمور قد تتجه نحو الأخذ بمقترح الخطوات المتزامنة واللقاء في منتصف الطريق، ولكن هذا الخيار سيكون - باعتقادي - أول هزيمة سياسية لإدارة الرئيس بايدن في التعاطي مع القضايا الدولية، لسبب بسيط هو أن الملالي لن يمنحوه مطلقا ما يهدف إليه بشأن الوصول إلى «صفقة شاملة»، فكل همهم ينحصر في رفع العقوبات والحصول على جرعات من الأوكسجين تكفي كي يواصل المفاوض الإيراني كسب الوقت والمناورات ربما حتى انتهاء سنوات الولاية الرئاسية الأولى للرئيس بايدن!
السؤال الذي يترتب على ما سبق هو: هل الوقت في مصلحة الملالي؟ الجواب هو نعم تماما، لأن مرور الوقت من دون تقديم ما يعتبرونه تنازلات في الملف النووي والبرنامج الصاروخي وعدم الانسحاب من سوريا والعراق واليمن، يعني تكريسا للنفوذ الإيراني في مجمل هذه الملفات، ناهيك عن تأثير عامل الوقت في الاقتراب من توقيت امتلاك ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصناعة قنبلة نووية.
معضلة إدارة الرئيس بايدن الآن تكمن في انحسار الخيارات الاستراتيجية المتاحة وتضاؤلها، فهذه الإدارة استأنفت العمل مع الحلفاء في تسوية القضايا والأزمات، وباتت الآن واقعة بين موقف الحلفاء الأوروبيين الذين يضغطون من أجل عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي، وبين موقف الكونجرس الذي وجه نحو 140 من أعضائه رسالة تطالب إدارة الرئيس بايدن بالعمل على التوصل إلى «صفقة شاملة» مع ملالي إيران، والأهم أن المشرعين الأمريكيين يرفضون تقديم تنازلات جديدة ويطالبون بإدراج البرنامج الصاروخي الإيراني في «الصفقة» المزمعة، أما سؤال: كيف تحقق إدارة الرئيس بايدن ذلك فيبقى من دون إجابة في ظل الشواهد الراهنة.
الحقيقة أن التعامل مع أزمة الملف النووي الإيراني قد تكون أحد أهم محددات فاعلية السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس بايدن، بل لا نبالغ حين نقول إنها قد تكون من أبرز محددات الثقل والمكانة الاستراتيجية الأمريكية في عالم ما بعد «كورونا».
drsalemalketbi@