الرأي

الأندية الأدبية.. من حسين بافقيه إلى الشيخ الشعراوي

طارق فريد زيدان
من يتابع وسائل الإعلام اليومية سيواجه تسونامي مقالات رأي لا تغني ولا تسمن من جوع. أمواج فوق أمواج تتلاطم على شواطئ تصحرت.

هذه الشواطئ هجرها المثقفون الذين كان لهم دور كبير في استقطاب السياحة الثقافية، فأصبحت صحافة اليوم تطغى عليها مقالات مفرغة من الثقافة، أو كما يسميها الكاتب اللبناني جهاد الزين «مقال اللامقال».

وهي عبارة عن أفكار معلبة لا تعكس أسئلة أو تقدم أدبا، خواء فكري ثقافي يقدم للمتلقي بأخطاء متكررة، ما دام أن ليس هناك من يتعب على نصه. أمام هذا التسونامي اختار كثيرون التنحي عن الكتابة، منهم نقاد بارزون في بلدنا الحبيب أثروا الكتابة في صفحاتهم الالكترونية.

ما حفزني على كتابة هذه الأسطر هي مقالة الأستاذ حسين بافقيه التي يستذكر فيها أيام الأندية الأدبية. نعم ستجدونها منشورة على صفحته في الفيس بوك وليس في إحدى الصحف، يستحضر في المقال كيف كانت تلك الأندية مراكز جذب للشباب المتلهف لدخول الساحة الثقافية، وأسهب شرحا وهو الناقد عن التيارات الفكرية المتلاطمة يومها التي ساهمت في صناعة الجاذبية والهالة المصاحبة لمريديها.

يصف في ثنايا المقال جغرافيا المكان، لما لها فضل على بناء الشخصية الثقافية، فقد عنون مقالته «ذكريات النادي الأدبي: من مسرح كلية العلوم إلى فندق العطاس». والأستاذ بافقيه رجل يحترف الوفاء للمهنة بقدر كبريائه في استخدام أدواتها، غير أنه أمام خبو هذه الجاذبية لم يجد مناصا من البداية في صدر مقالته بالتذكير بفضل هذه الأندية عليه كي لا يغضب منه الممسكون بها!

وجدت في مقالة الأستاذ حسين شيئا فقدناه، نحن أبناء هذا الجيل، فلا تواصل ولا حوار مع كاتب أو ناقد ترعاه الأندية، محاضرات أكاديمية فحسب يلقيها أساتذة الجامعات خارج صفوفهم الدراسية، في ظاهرة يصفها الأستاذ حسين في مقالته بأنها «محاضرة للأستاذ الجامعي زيد، تعقبها محاضرة للأستاذ الجامعي عمرو، فإذا بدل النادي نشاطه فندوة أدبية أو ثقافية أو دينية يحييها الأستاذ الجامعي بكر أو الأستاذ الجامعي خالد». ليصل في وصفه مآلات الأندية الأدبية بأنها أصبحت ملحقة بالتقاليد الجامعية حين دخل في عضوية مجالس إدارتها أساتذة جامعة لا أدباء متفرغين للثقافة.

لا شك بأن الأندية الأدبية تغيرت ومعها الجسم الإعلامي والصحافي الذي يمر بأزمات متتالية، لكن ما منع الأستاذ حسين بافقيه من إلقاء محاضرة في أحد هذه الأندية؟ والأهم: لماذا تنحى عن النشر في الصحف مكتفيا بصفحته الالكترونية؟ ثم أين أصحاب الشأن المهتمون بدراسة تاريخ الأندية الأدبية السعودية من المقالة؟

صحيح أن التحديات المالية والتطور التكنولوجي حاصرا الأندية الأدبية ومعها الصحافة بأكملها،ثم جائحة فيروس كورونا التي ساهمت في تعميق الهوة مع انقطاع التواصل المباشر، غير أن ما لا يمكن القفز فوقه ظاهرة عزوف المثقفين عن الساحة والاكتفاء بعزلة قسرية سبقت انتشار الوباء، ناهيك عن التحدي المستمر في استقطاب كل من يتنطح لدخول الساحة.

فتح المجال للاستكتاب في الصحف على غرباله لا يفي بالغرض، تظل الأندية الأدبية بدورها العام العمود الفقري لهذا الجسم، وملء الساحة (جميع وسائل الإعلام) بالمثقفين مهمة تقع على المسؤول عن البيئة الثقافية، ومنها الأندية الأدبية.

أمام هذا التحدي لا بد من بناء جسور تواصل تحفز المثقف المجبول على الكتابة بإبداء الرأي.

ثم إن أحد أهم العناصر الجاذبة لدى أي قطاع هو التعرف إلى نجوم هذا القطاع. أين المثقفون اليوم؟ لا يكتبون ولا يحاضرون، ثمة هجرة معاكسة يجب رصدها ودراستها عن قرب، العزوف أصلا عن الساحة يقلل من قيمة القطاع، كلما ارتفع منسوب مشاركتهم ارتفعت معها قيمة الأندية الأدبية.

الكاتب أو المحاضر بذاته مثقف (بفتح القاف) ومثقف (بكسر القاف)، يبحث عن المعلومة، يحللها، يعكسها، ليعاد بثها برأيه. أين الأندية الأدبية من كل ذلك؟ أليست محاضرة للأستاذ حسين بافقيه عن ذكرياته في النادي الأدبي في مدينة جدة مادة تستحق أن تنشر في الصحف؟

يستطيع الأستاذ حسين بافقيه الخروج من الساحة الأدبية والثقافية، إلا أن الساحة لن تخرج منه، فهو مجبول على القراءة والكتابة، وقد صنع لنفسه مكانا فيها. هنيئا له وهنيئا لنا به. وأقول له كما قال الشيخ محمد متولي الشعرواي للرئيس المصري السابق حسني مبارك «إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل».