الملكية بين الواقع والنظام
السبت / 27 / ربيع الثاني / 1442 هـ - 23:14 - السبت 12 ديسمبر 2020 23:14
حب التملك بشقية الثابت والمنقول بمختلف أنواعه من الأمور الفطرية لدى الإنسان، وهو عمل جائز للإنسان بالشرع والنظام متى ما حقق شروط الملكية الصحيحة، ولعل من أهم الأشياء التي سعى ويسعى المواطن السعودي لها الملكية للمنزل (المسكن)، الذي لأهميته أنشئت وزارة له باسم (وزارة الإسكان)، وفي هذا المقام لا نناقش السكن وشؤونه، ولكن موضوعنا وثيق الصلة به، خاصة بعد ما حدث من الإزالات لكثير من التعديات في الأشهر الماضية وردة الفعل عليها.
من الناحية الموضوعية:
يعد الأمر الملكي رقم (أ/218) وتاريخ 25/3/1441هـ، الذي نص في الفقرة (أولا) على: تعد ملكا للدولة جميع الأراضي المنفكة عن الملكية الخاصة الثابتة بصك ملكية، ولا تقبل أمام المحاكم أي دعوة أو طلب يتعلق بإثبات تملك أرض استنادا إلى الإحياء أو وضع اليد أو الوثائق العادية.. إلخ.
من الناحية الزمنية:
نص الأمر الملكي رقم (56708) تاريخ 17/10/1441هـ في الفقرة رقم (3) من القواعد والضوابط على: (3) عدم النظر في طلبات التملك التي تنفي المصورات الجوية أو المخططات التنظيمية وجود إحياء فيها قبل أمر المنع الصادر بتاريخ 9/11/1387هـ (4): يختصر النظر في تملك العقارات المحياة قبل أمر المنع من الأحياء الصادر بتاريخ 9/11/1387هـ على المساحات المتوافقة مع المصورات الجوية معتمده..إلخ.
وبهذا يكون الإطار الزمني للملكية مشروط بنشوئه قبل تاريخ 9/11/1387هـ، وفي ذات السياق جاءت القواعد وآلية عمل لجان النظر في طلبات تملك العقارات المعتمدة بالقرار الوزاري رقم (ق ر1/2020) وتاريخ 15/11/1441هـ، التي حددت في المادة الخامسة بفقرتيها رقم (1) و(3) حال ومصير الطلبات التي لا تنطبق عليها شروط ثبوت الملكية، وهو الأمر الذي يعد في غاية الأهمية لصحاب الطلبات من المواطنين، حيث جاء فيها ما نصه (1): إذا كان الطلب مخالفا للشروط الواردة في المادة الثالثة من هذه القواعد، تصدر اللجنة قرارا مسببا بصرف النظر عن الطلب ويبلغ به صاحب الطلب... (3): للجنة عند الحاجة ومن خلال الأمانة العامة تكليف صاحب الطلب بتزويدها بما يلزم لاستكمال النظر في الطلب، وفي حالة عدم تنفيذها بما كلف به خلال (30) يوما من تاريخ التكليف، تصدر اللجنة قرارا مسببا بصرف النظر عن الطلب، ويبلغ به صاحب الطلب.
ونجد هنا أن اللائحة حددت مصير الطلب فقط، بينما سكتت عن مصير العقار (محل) الطلب وما سوف ينتهي إليه.
ولكن قبل أن نتحدث عما قد يكون هو الحل لمثل هذه الحالات، لا بد أن نوضح بعض الحقائق التي أدت لما نحن بصدده الآن.
الحقائق:
الحقيقة الأولى: تؤكد أن ما تم بناؤه بعد تاريخ 9/11/1387هـ يفوق بثلاثة أضعاف ما كان قبله.
الحقيقة الثانية: أغلب الصكوك التي صدرت عن المحاكم هي لعقارات تم بناؤها بعد هذا التاريخ، وعلى مدى الثلاثة العقود الماضية حتى تاريخ إيقاف حجج الاستحكام والصكوك قبل بضع سنوات.
الحقيقة الثالثة: تقصير الجهات المختصة من الوزارات والمصالح الحكومية المعنية بتوفير الأراضي السكنية والمساكن للمواطنين في السنوات الماضية، وعدم وضع الخطط الصحيحة لمواجهة الاحتياج الفعلي للسكن، ابتكار الحلول وإزالة والقضاء على العقبات التي تحول دون ذلك، هي من العوامل الرئيسة للمعاناة، ومن ذلك التأخر في توفير المنح السكنية وطول فترة الانتظار للحصول على القرض السكني.
الحقيقة الرابعة: الإهمال والتقصير في أداء واجبات الوظيفة العامة من قبل الجهات الرقابية التنفيذية ومنسوبيها المسؤولة عن مراقبة الأراضي الحكومية من البلديات والأمانات وإمارات المناطق، ما أدى إلى حدوث الاعتداءات على الأراضي وتكاثرها، حتى تحول بعضها إلى قرى ومراكز تجاور المدن الرئيسية والمحافظات، وقد شجع على الاستمرار في ذلك إيصال الخدمات للمنازل المحدثة والاكتفاء بأخذ التعهد على المالك بأن إيصال التيار الكهربائي لا يعد إثبات ملكية.
الحقيقة الخامسة: غياب المحاسبة الفعلية والفورية للمقصرين في أداء وظائفهم من منسوبي القطاعات الحكومية ذات الصلة، ما جعلهم يتمادون في ذلك، ومع غياب مبدأ الشفافية ومبدأ الثواب والعقاب يفقد نظام الجزاءات هيبته لدى الموظف، الأمر الذي يستدعي تحديد تاريخ وقوع هذه الإحداثات وتحديد الموظفين المسؤولين والجهات المسؤولة عن الرقابة في تلك الفترة، وإحالتهم إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد للمساءلة والتحقيق، وتحديد المسؤولية التقصيرية لكل منهم وتطبيق النظام بحقه.
الحقيقة السادسة: تقصير هذه الجهات بأداء واجباتها الوظيفية خلق شعورا وقناعة لدى بعض المواطنين بأن قيامه بالاعتداء والإحداث في الأراضي الحكومية حق له، ولا يعد مخالفة يعاقب عليها، ونتيجة لذلك الشعور لدى المواطن والإهمال لدى الموظف، تحول تطبيق النظام بحق المخالفين والمعتدين من قبل السلطة العامة وكأنه تجننٍ وظلم لهم وسلب لحقوقهم، وتصويره بقصد أو بدون قصد على هذا النحو.
الحقيقة السابعة: المجتمع السعودي عرف عنه طاعته لولاة أمرة وسلميته في جميع مطالباته، وليس في ثقافته أو قناعته أو خياراته الدخول في مواجهة مع السلطة التنفيذية على مختلف مستوياتها، وبالتالي فإن ما حدث من ردة فعل لدى البعض عند إزالة الإحداثات في الآونة الأخيرة كان سببه المباشر قناعته بصحة ما قام به نتيجة تقصير الجهات المختصة في اتخاذ الإجراء الصحيح في حينه، والمتمثل في منع الاعتداء قبل وقوعه أو حين حدوثه مباشرة.
الحقيقة الثامنة: ليس الهدف من تطبيق النظام بحق المخالفين هو إلحاق الضرر بالمواطن فالدولة ليست بحاجة لذلك، لكن الهدف هو تطبيق النظام وحماية الأملاك العامة أولا، وحفاظا على أموال المواطنين ثانيا من وضعها في بناء مخالف للنظام سوف تتم إزالته لاحقا.
الحقيقة التاسعة: رغبة كثير من سكان البادية والقرى البقاء في أماكنهم وعدم الانتقال إلى الأماكن المخدومة والمخصصة للسكن في المدن، أدت إلى قيام كثير من القرى والهجر في أنحاء المملكة، وهو ما دفع بالحكومة احتراما لرغبتهم إلى إيصال الخدمات الحكومية إليهم، تجنبا لوقوع أي ضرر عليهم في حالة إجبارهم على الانتقال، وتكمن الإشكالية في ذلك أن هذه القرى تم بناؤها بشكل عشوائي ودون تخطيط أو تنظيم لها، وكان قرار التملك بها أساسه (وضع اليد والإحياء) على الموقع، وإحياؤه سواء بالبناء أو الزراعة، بعيدا عن المعايير المعتمدة لذلك، إضافة إلى أنها لم تكن لها حدود واضحة، ما جعلها تتمدد وبشكل عشوائي، وهو ما أحدث كثيرا من المشاكل والنزاعات بين سكانها من المواطنين، وما لدى إمارات المناطق من معاملات بذلك خير شاهد.
الحقيقة العاشرة: هناك مواطنون كانوا ضحايا مخططات وهمية أو وثائق عرفية أو حجج، فهم في الأصل غير معتدين أو محدثين بقصد على الأرض بصفة مباشرة، ولكنهم ضحايا لعمليات بيع غير مشروعة (بيع من لا يملك)، إضافة إلى أنه في السابق لا يوجد نظام يمنع أو يجرم مثل هذه البيوع رغم علانيتها.
ولعل ذلك من أهم الأسباب التي أدت لما نحن عليه اليوم وما سوف نناقش إحدى أهم جزئياته، والمتمثلة بما نصت عليه المادة الخامسة في فقرتيها رقم (1) و(3) من قواعد وآلية عمل لجان النظر في طلبات تملك العقار، المستندة على ما جاء في الأمر الملكي رقم (أ/218) والأمر رقم (56708)، حيث نصت المادة الخامسة من القواعد في الفقرتين: رقم (1) على: إذا كان الطلب مخالفة للشروط تصدر اللجنة قرارا مسببا بصرف النظر عن الطلب ...إلخ. (3): للجنة عند الحاجة تكليف صاحب الطلب تزويدها بما يلزم.. في حالة عدم تزويدها.. تصدر قرارا مسببا بصرف النظر عن الطلب. من ذلك يتضح معرفة مصير الطلب، بينما غاب مصير (العين) محل الطلب (العقار)، ما جعله مجهولا حتى تاريخه.
إن العقارات التي تواجه ذات المصير هي الغالبية، ولمعالجة وضع ما تم إنشاؤه وبناؤه بعد نهاية عام 1387هـ، أقترح بعض الحلول.
الحلول:
المسكن الأول:
في حالة أن العقار موضوع الطلب هو المسكن الأول للمواطن ولم يسبق له أن حصل على منحة سكنية أو قرض ولا يوجد مسكن مسجل باسمه، فيعد هذا العقار والأرض الواقع عليها هي بمثابة المنحة السكنية الحكومية، وتسجل باسمه ويعتبر في ذلك بأنه قد حصل على منحة سكنية حكومية، وفي هذه الحالة يعفى من العقوبة (الإزالة)، وكذلك من دفع رسوم قيمة الأرض.
المسكن الثاني:
في حال ثبت أن العقار محل الطلب هو المسكن الثاني، وأن صاحب الطلب يوجد لديه مسكن مسجل باسمه أو سبق وأن حصل على منحة سكنية أو قرض، فإنه يحال إلى لجنة التثمين، التي بدورها تقدر سعر الأرض الفعلي، ويلزم صاحب الطلب بدفع القيمة المقررة عليه لمصلحة بيت المال، ويعفى من العقوبة ويمنح صك ملكية.
المسكن الثالث:
في حال كان العقار هو المسكن الثالث، ينظر في حالة صاحب الطلب الاجتماعية، خاصة تعدد (الزوجات) فإن كان لديه زوجتان فأكثر، وعدد أفراد العائلة كبير، وهو بحاجة لذلك كأن يكون من شروط الزواج توفير (بيت مستقل للزوجة)، يحال للجنة التثمين لتقدير القيمة الفعلية ويلزم بدفع ضعفي قيمة الأرض.
المسكن الرابع:
في حال ثبوت ملكية صاحب الطلب لأكثر من عقار (تعدد الملكيات)، في هذه الحالة انتفاء الحاجة الماسة، فيتم تخيير صاحب العقار بين: التنازل عن العقار إلى أحد أقاربه من الدرجة الأولى (الأبناء -البنات –الإخوة)، على أن يثبت ذلك التنازل بصفة رسمية، وتتم نقل ملكيته للمتنازل لمصلحته، ويعد بمثابة منحة سكنية حكومية له تسجل باسمه، وبالتالي يعفى من العقوبة أو دفع قيمة الأرض. أو في حال عدم وجود من تنطبق على شروط من أقارب الدرجة الأولى فيسار للأقارب من الدرجة الثانية، وفي حالة تعذر وجودهم يعطى صاحب العقار فرصة للتنازل عنه لمن يشاء، على أن يسجل باسمه ويعد منحة سكنية للمتنازل له، ويعفى من الرسوم والعقوبة بشرط توفر شروط الملكية وفقا لنظام المنح.
العقار للاستخدام غير السكني:
إذا كان العقار محل الطلب تم بناؤه لغرض تجاري غير سكني، ولم يكن في الأماكن التي يمنع تملكها، وكان يقدم خدمة للمواطنين من السكان وعابري الطريق، يحال إلى لجنة التثمين لتقدير قيمة الأرض السوقية، ويلزم صاحب العقار بدفعها لبيت المال أو بدفع ضعفيها، ويمنح صك وتملك عليه، وفي حالة كان العقار لغرض تجاري بحت ومساحته تزيد بكثير على مساحة القطع السكنية أو في أماكن يمنع التملك فيها، يحال إلى لجنة مختصة لتقدير القيمة الإيجارية للموقع (أسعار رمزية)، وتكلف البلدية المختصة الواقع تحت اختصاصها بتحرير عقد إيجار مع المالك، ويلزم بدفع الإيجار بشكل سنوي، وفقا للنظام التصرف بالعقارات (الاستثمار) على أن تكون مدة عقد الإيجار لا تقل عن 15 عاما.
الأراضي الزراعية:
تعد أقل بكثير من العقارات وفي الوقت نفسه تقع على مساحات أكبر من مساحة العقارات السكنية، وهنا ينظر إلى نوع المزرعة والتمييز بين المزرعة الخاصة التي ليس لها إنتاج تجاري، والمزارع ذات الطبيعة الاستثمارية، التي تهدف إلى تحقيق الربح المادي. ففي حالة انتفت الموانع النظامية للتملك الموقع فإن المزارع الخاصة ينظر لها حسب المساحة، فإن كانت في حدود المعقول تعفى من العقوبة، ومن دفع رسوم قيمة الأرض. أما المساحات الزائدة على المساحات الزراعية المتعارف عليها فيلزم بدفع قيمة رسومها، وتقدر القيمة من قبل لجنة التثمين. المزارع ذات الطبيعة الاستثمارية في حالة المساحة المعقولة للتملك يلزم بدفع ضعفي قيمة الأرض، ويعفى من العقوبة ويمنح صك التملك، وفي حال وقوعها على مساحة كبيرة لا يمكن تملكها، يحال إلى الاستثمار، على أن تقدر للجنة مختصة القيمة الإيجارية لكل متر مربع، وأن تكون بأسعار رمزية وبعقد طويل أو متوسط الأجل.
خلاصة القول: لا بد من تشكيل اللجان ذات اختصاص متعدد لدراسة وضع جميع طلبات التملك التي لم تنطبق عليها الشروط، ووضع الحلول المناسبة لها، التي تجمع بين تطبيق النظام والحفاظ على أملاك الدولة، وممتلكات المواطنين التي تقع في أماكن لا تتعارض مع المصالح العامة والمخططات التنظيمية الحالية أو المستقبلية، مع تطبيق النظام بصرامة على أي إحداثات أو تعديات مستقبلية، سواء بحق المعتدي أو بحق كل موظف مقصر في أداء عمله.
من الناحية الموضوعية:
يعد الأمر الملكي رقم (أ/218) وتاريخ 25/3/1441هـ، الذي نص في الفقرة (أولا) على: تعد ملكا للدولة جميع الأراضي المنفكة عن الملكية الخاصة الثابتة بصك ملكية، ولا تقبل أمام المحاكم أي دعوة أو طلب يتعلق بإثبات تملك أرض استنادا إلى الإحياء أو وضع اليد أو الوثائق العادية.. إلخ.
من الناحية الزمنية:
نص الأمر الملكي رقم (56708) تاريخ 17/10/1441هـ في الفقرة رقم (3) من القواعد والضوابط على: (3) عدم النظر في طلبات التملك التي تنفي المصورات الجوية أو المخططات التنظيمية وجود إحياء فيها قبل أمر المنع الصادر بتاريخ 9/11/1387هـ (4): يختصر النظر في تملك العقارات المحياة قبل أمر المنع من الأحياء الصادر بتاريخ 9/11/1387هـ على المساحات المتوافقة مع المصورات الجوية معتمده..إلخ.
وبهذا يكون الإطار الزمني للملكية مشروط بنشوئه قبل تاريخ 9/11/1387هـ، وفي ذات السياق جاءت القواعد وآلية عمل لجان النظر في طلبات تملك العقارات المعتمدة بالقرار الوزاري رقم (ق ر1/2020) وتاريخ 15/11/1441هـ، التي حددت في المادة الخامسة بفقرتيها رقم (1) و(3) حال ومصير الطلبات التي لا تنطبق عليها شروط ثبوت الملكية، وهو الأمر الذي يعد في غاية الأهمية لصحاب الطلبات من المواطنين، حيث جاء فيها ما نصه (1): إذا كان الطلب مخالفا للشروط الواردة في المادة الثالثة من هذه القواعد، تصدر اللجنة قرارا مسببا بصرف النظر عن الطلب ويبلغ به صاحب الطلب... (3): للجنة عند الحاجة ومن خلال الأمانة العامة تكليف صاحب الطلب بتزويدها بما يلزم لاستكمال النظر في الطلب، وفي حالة عدم تنفيذها بما كلف به خلال (30) يوما من تاريخ التكليف، تصدر اللجنة قرارا مسببا بصرف النظر عن الطلب، ويبلغ به صاحب الطلب.
ونجد هنا أن اللائحة حددت مصير الطلب فقط، بينما سكتت عن مصير العقار (محل) الطلب وما سوف ينتهي إليه.
ولكن قبل أن نتحدث عما قد يكون هو الحل لمثل هذه الحالات، لا بد أن نوضح بعض الحقائق التي أدت لما نحن بصدده الآن.
الحقائق:
الحقيقة الأولى: تؤكد أن ما تم بناؤه بعد تاريخ 9/11/1387هـ يفوق بثلاثة أضعاف ما كان قبله.
الحقيقة الثانية: أغلب الصكوك التي صدرت عن المحاكم هي لعقارات تم بناؤها بعد هذا التاريخ، وعلى مدى الثلاثة العقود الماضية حتى تاريخ إيقاف حجج الاستحكام والصكوك قبل بضع سنوات.
الحقيقة الثالثة: تقصير الجهات المختصة من الوزارات والمصالح الحكومية المعنية بتوفير الأراضي السكنية والمساكن للمواطنين في السنوات الماضية، وعدم وضع الخطط الصحيحة لمواجهة الاحتياج الفعلي للسكن، ابتكار الحلول وإزالة والقضاء على العقبات التي تحول دون ذلك، هي من العوامل الرئيسة للمعاناة، ومن ذلك التأخر في توفير المنح السكنية وطول فترة الانتظار للحصول على القرض السكني.
الحقيقة الرابعة: الإهمال والتقصير في أداء واجبات الوظيفة العامة من قبل الجهات الرقابية التنفيذية ومنسوبيها المسؤولة عن مراقبة الأراضي الحكومية من البلديات والأمانات وإمارات المناطق، ما أدى إلى حدوث الاعتداءات على الأراضي وتكاثرها، حتى تحول بعضها إلى قرى ومراكز تجاور المدن الرئيسية والمحافظات، وقد شجع على الاستمرار في ذلك إيصال الخدمات للمنازل المحدثة والاكتفاء بأخذ التعهد على المالك بأن إيصال التيار الكهربائي لا يعد إثبات ملكية.
الحقيقة الخامسة: غياب المحاسبة الفعلية والفورية للمقصرين في أداء وظائفهم من منسوبي القطاعات الحكومية ذات الصلة، ما جعلهم يتمادون في ذلك، ومع غياب مبدأ الشفافية ومبدأ الثواب والعقاب يفقد نظام الجزاءات هيبته لدى الموظف، الأمر الذي يستدعي تحديد تاريخ وقوع هذه الإحداثات وتحديد الموظفين المسؤولين والجهات المسؤولة عن الرقابة في تلك الفترة، وإحالتهم إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد للمساءلة والتحقيق، وتحديد المسؤولية التقصيرية لكل منهم وتطبيق النظام بحقه.
الحقيقة السادسة: تقصير هذه الجهات بأداء واجباتها الوظيفية خلق شعورا وقناعة لدى بعض المواطنين بأن قيامه بالاعتداء والإحداث في الأراضي الحكومية حق له، ولا يعد مخالفة يعاقب عليها، ونتيجة لذلك الشعور لدى المواطن والإهمال لدى الموظف، تحول تطبيق النظام بحق المخالفين والمعتدين من قبل السلطة العامة وكأنه تجننٍ وظلم لهم وسلب لحقوقهم، وتصويره بقصد أو بدون قصد على هذا النحو.
الحقيقة السابعة: المجتمع السعودي عرف عنه طاعته لولاة أمرة وسلميته في جميع مطالباته، وليس في ثقافته أو قناعته أو خياراته الدخول في مواجهة مع السلطة التنفيذية على مختلف مستوياتها، وبالتالي فإن ما حدث من ردة فعل لدى البعض عند إزالة الإحداثات في الآونة الأخيرة كان سببه المباشر قناعته بصحة ما قام به نتيجة تقصير الجهات المختصة في اتخاذ الإجراء الصحيح في حينه، والمتمثل في منع الاعتداء قبل وقوعه أو حين حدوثه مباشرة.
الحقيقة الثامنة: ليس الهدف من تطبيق النظام بحق المخالفين هو إلحاق الضرر بالمواطن فالدولة ليست بحاجة لذلك، لكن الهدف هو تطبيق النظام وحماية الأملاك العامة أولا، وحفاظا على أموال المواطنين ثانيا من وضعها في بناء مخالف للنظام سوف تتم إزالته لاحقا.
الحقيقة التاسعة: رغبة كثير من سكان البادية والقرى البقاء في أماكنهم وعدم الانتقال إلى الأماكن المخدومة والمخصصة للسكن في المدن، أدت إلى قيام كثير من القرى والهجر في أنحاء المملكة، وهو ما دفع بالحكومة احتراما لرغبتهم إلى إيصال الخدمات الحكومية إليهم، تجنبا لوقوع أي ضرر عليهم في حالة إجبارهم على الانتقال، وتكمن الإشكالية في ذلك أن هذه القرى تم بناؤها بشكل عشوائي ودون تخطيط أو تنظيم لها، وكان قرار التملك بها أساسه (وضع اليد والإحياء) على الموقع، وإحياؤه سواء بالبناء أو الزراعة، بعيدا عن المعايير المعتمدة لذلك، إضافة إلى أنها لم تكن لها حدود واضحة، ما جعلها تتمدد وبشكل عشوائي، وهو ما أحدث كثيرا من المشاكل والنزاعات بين سكانها من المواطنين، وما لدى إمارات المناطق من معاملات بذلك خير شاهد.
الحقيقة العاشرة: هناك مواطنون كانوا ضحايا مخططات وهمية أو وثائق عرفية أو حجج، فهم في الأصل غير معتدين أو محدثين بقصد على الأرض بصفة مباشرة، ولكنهم ضحايا لعمليات بيع غير مشروعة (بيع من لا يملك)، إضافة إلى أنه في السابق لا يوجد نظام يمنع أو يجرم مثل هذه البيوع رغم علانيتها.
ولعل ذلك من أهم الأسباب التي أدت لما نحن عليه اليوم وما سوف نناقش إحدى أهم جزئياته، والمتمثلة بما نصت عليه المادة الخامسة في فقرتيها رقم (1) و(3) من قواعد وآلية عمل لجان النظر في طلبات تملك العقار، المستندة على ما جاء في الأمر الملكي رقم (أ/218) والأمر رقم (56708)، حيث نصت المادة الخامسة من القواعد في الفقرتين: رقم (1) على: إذا كان الطلب مخالفة للشروط تصدر اللجنة قرارا مسببا بصرف النظر عن الطلب ...إلخ. (3): للجنة عند الحاجة تكليف صاحب الطلب تزويدها بما يلزم.. في حالة عدم تزويدها.. تصدر قرارا مسببا بصرف النظر عن الطلب. من ذلك يتضح معرفة مصير الطلب، بينما غاب مصير (العين) محل الطلب (العقار)، ما جعله مجهولا حتى تاريخه.
إن العقارات التي تواجه ذات المصير هي الغالبية، ولمعالجة وضع ما تم إنشاؤه وبناؤه بعد نهاية عام 1387هـ، أقترح بعض الحلول.
الحلول:
المسكن الأول:
في حالة أن العقار موضوع الطلب هو المسكن الأول للمواطن ولم يسبق له أن حصل على منحة سكنية أو قرض ولا يوجد مسكن مسجل باسمه، فيعد هذا العقار والأرض الواقع عليها هي بمثابة المنحة السكنية الحكومية، وتسجل باسمه ويعتبر في ذلك بأنه قد حصل على منحة سكنية حكومية، وفي هذه الحالة يعفى من العقوبة (الإزالة)، وكذلك من دفع رسوم قيمة الأرض.
المسكن الثاني:
في حال ثبت أن العقار محل الطلب هو المسكن الثاني، وأن صاحب الطلب يوجد لديه مسكن مسجل باسمه أو سبق وأن حصل على منحة سكنية أو قرض، فإنه يحال إلى لجنة التثمين، التي بدورها تقدر سعر الأرض الفعلي، ويلزم صاحب الطلب بدفع القيمة المقررة عليه لمصلحة بيت المال، ويعفى من العقوبة ويمنح صك ملكية.
المسكن الثالث:
في حال كان العقار هو المسكن الثالث، ينظر في حالة صاحب الطلب الاجتماعية، خاصة تعدد (الزوجات) فإن كان لديه زوجتان فأكثر، وعدد أفراد العائلة كبير، وهو بحاجة لذلك كأن يكون من شروط الزواج توفير (بيت مستقل للزوجة)، يحال للجنة التثمين لتقدير القيمة الفعلية ويلزم بدفع ضعفي قيمة الأرض.
المسكن الرابع:
في حال ثبوت ملكية صاحب الطلب لأكثر من عقار (تعدد الملكيات)، في هذه الحالة انتفاء الحاجة الماسة، فيتم تخيير صاحب العقار بين: التنازل عن العقار إلى أحد أقاربه من الدرجة الأولى (الأبناء -البنات –الإخوة)، على أن يثبت ذلك التنازل بصفة رسمية، وتتم نقل ملكيته للمتنازل لمصلحته، ويعد بمثابة منحة سكنية حكومية له تسجل باسمه، وبالتالي يعفى من العقوبة أو دفع قيمة الأرض. أو في حال عدم وجود من تنطبق على شروط من أقارب الدرجة الأولى فيسار للأقارب من الدرجة الثانية، وفي حالة تعذر وجودهم يعطى صاحب العقار فرصة للتنازل عنه لمن يشاء، على أن يسجل باسمه ويعد منحة سكنية للمتنازل له، ويعفى من الرسوم والعقوبة بشرط توفر شروط الملكية وفقا لنظام المنح.
العقار للاستخدام غير السكني:
إذا كان العقار محل الطلب تم بناؤه لغرض تجاري غير سكني، ولم يكن في الأماكن التي يمنع تملكها، وكان يقدم خدمة للمواطنين من السكان وعابري الطريق، يحال إلى لجنة التثمين لتقدير قيمة الأرض السوقية، ويلزم صاحب العقار بدفعها لبيت المال أو بدفع ضعفيها، ويمنح صك وتملك عليه، وفي حالة كان العقار لغرض تجاري بحت ومساحته تزيد بكثير على مساحة القطع السكنية أو في أماكن يمنع التملك فيها، يحال إلى لجنة مختصة لتقدير القيمة الإيجارية للموقع (أسعار رمزية)، وتكلف البلدية المختصة الواقع تحت اختصاصها بتحرير عقد إيجار مع المالك، ويلزم بدفع الإيجار بشكل سنوي، وفقا للنظام التصرف بالعقارات (الاستثمار) على أن تكون مدة عقد الإيجار لا تقل عن 15 عاما.
الأراضي الزراعية:
تعد أقل بكثير من العقارات وفي الوقت نفسه تقع على مساحات أكبر من مساحة العقارات السكنية، وهنا ينظر إلى نوع المزرعة والتمييز بين المزرعة الخاصة التي ليس لها إنتاج تجاري، والمزارع ذات الطبيعة الاستثمارية، التي تهدف إلى تحقيق الربح المادي. ففي حالة انتفت الموانع النظامية للتملك الموقع فإن المزارع الخاصة ينظر لها حسب المساحة، فإن كانت في حدود المعقول تعفى من العقوبة، ومن دفع رسوم قيمة الأرض. أما المساحات الزائدة على المساحات الزراعية المتعارف عليها فيلزم بدفع قيمة رسومها، وتقدر القيمة من قبل لجنة التثمين. المزارع ذات الطبيعة الاستثمارية في حالة المساحة المعقولة للتملك يلزم بدفع ضعفي قيمة الأرض، ويعفى من العقوبة ويمنح صك التملك، وفي حال وقوعها على مساحة كبيرة لا يمكن تملكها، يحال إلى الاستثمار، على أن تقدر للجنة مختصة القيمة الإيجارية لكل متر مربع، وأن تكون بأسعار رمزية وبعقد طويل أو متوسط الأجل.
خلاصة القول: لا بد من تشكيل اللجان ذات اختصاص متعدد لدراسة وضع جميع طلبات التملك التي لم تنطبق عليها الشروط، ووضع الحلول المناسبة لها، التي تجمع بين تطبيق النظام والحفاظ على أملاك الدولة، وممتلكات المواطنين التي تقع في أماكن لا تتعارض مع المصالح العامة والمخططات التنظيمية الحالية أو المستقبلية، مع تطبيق النظام بصرامة على أي إحداثات أو تعديات مستقبلية، سواء بحق المعتدي أو بحق كل موظف مقصر في أداء عمله.