العالم

اغتيال زاده يفضح هشاشة الاستخبارات الإيرانية

لطمة جديدة تلخبط حسابات طهران.. ومغردون: القدرات الخرافية التي يتحدث عنها قادتنا وهم

حسن روحاني
عد مراقبون اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، رئيس منظمة الأبحاث والابتكار في إيران، دليلا صارخا على هشاشة الاستخبارات الإيرانية، التي تنشط في عمليات تصدير الإرهاب خارجيا، وتتلقى اللطمة تلو الأخرى داخليا.

وفيما اتهمت إيران إسرائيل بشكل مباشر بتنفيذ العملية، أكد مغردون أن إيران أصبحت محصورة ومستهدفة بشكل كبير، نظير تصرفاتها الاستفزازية في المنطقة، ووكلاء الشر الموالين لها.

ووصف مغردون إيرانيون الاستخبارات الإيرانية بالفاشلة، بعد أن أخفقت في حماية أهم ركائز تطوير السلاح النووي في إيران، فخري زاده، ومنشأة نطنز النووية الحساسة، وشكلت الضربات المتتالية لأهداف نووية إيرانية انتكاسة لطموحات إيرانية النووية، وكشفت ردود الفعل السريعة في الصحافة المحلية والدولية مدى أهمية زاده، ومعرفة الناس به رغم ندرة ظهوره.

عبوات ناسفة

وقتل محسن فخري زاده في منطقة دماوند بضواحي العاصمة، حيث هاجمت مجموعة مسلحة ظهر الجمعة سيارته، وجاء في البيان الرسمي: أثناء الاشتباك بين فريقه الأمني والإرهابيين، أصيب زاده بجروح خطيرة ونقل إلى المستشفى، حيث توفي هناك. وألمحت بعض التقارير إلى أن السيارة تعرضت في بادئ الأمر للاصطدام بمركبة محملة بعبوات ناسفة بدائية الصنع، وبعد ذلك قام مسلحون بإطلاق النار عليه.

وقتل 4 علماء نوويين إيرانيين آخرين في طهران منذ 2010، وفي مؤتمر صحفي جرى عام 2018، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «تذكروا هذا الاسم فخري زاده»، في ذلك الوقت لم يكن رئيس برنامج الأسلحة النووية في إيران معروفا حتى بالنسبة لمعظم الإيرانيين، وبعد اغتياله خارج طهران أمس الأول أصبح فخري زاده اسما على كل لسان.

فشل الاستخبارات

وقال مغردون إيرانيون على تويتر، «إن اغتيال فخري زاده الشخصية الأبرز وأهم عالم في البرنامج النووي هو أكبر فشل استخباراتي للحرس الثوري الإيراني منذ 39 عاما»، مشيرين إلى أن القدرات الاستخباراتية لإيران مجرد وهم، وأن إيران لا تجيد سوى اعتقال المعارضين، في حين تعجز وتفشل دائما في حماية مسؤوليها رفيعي المستوى.

ووجه مغردون إيرانيون اللوم إلى وزير الخارجية محمد جواد ظريف، قائلين في رسائل عدة له «اغتيال زاده أظهر فشل سياسات وزير الخارجية في التعامل مع الغرب». وقال مغرد إيراني «قبل شهرين قال ظريف: إذا حدث شيء لأي من علمائنا النوويين، فسنرد، ها قد حان الوقت للقيام بذلك، لا للاكتفاء بالشعارات فقط».

اتهام إسرائيل

ولم تفكر إيران طويلا في منفذ الجريمة، فقد اتهم رئيسها حسن روحاني إسرائيل باغتيال زاده ووصفه بأنه «عمل إرهابي»، وتوعد رئيس أركان الجيش الإيراني الجنرال محمد باقري بـ»انتقام قاس ينتظر الجماعات الإرهابية ومن يقف وراء الهجوم»، حسبما ذكر التلفزيون الإيراني.

واعترف باقري أن فخري زاده استطاع أن يرفع القدرة الدفاعية للبلاد إلى مستوى مقبول من القدرة الرادعة. وتوعد رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف أيضا بالانتقام لمقتل فخري زاده.

المثير للدهشة أن إيران التي ترعى الإرهاب دوليا تشكو الآن منه، وتدعو المجتمع الدولي وتحديدا أوروبا إلى وضع حد لمعاييرها المزدوجة المشينة، وإدانة هذا العمل الإرهابي المنظم.

زاده يشبه سليماني

وتقول صحيفة «جيروزالم بوست» الإسرائيلية إن زاده أشبه بقائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي قضى في ضربة أمريكية في يناير الماضي، وكان نادر الظهور، وحين خرج من دائرة الظل وقع تحت النيران الأمريكية، مما يفسر أن جميع القياديين الإيرانيين المهمين معروفون لدى الولايات المتحدة وإسرائيل رغم محاولات التخفي.

وبحسب الصحيفة، فإن زاده كان من الأشخاص المراقبين بشكل قوي من قبل الولايات المتحدة، لكن اسمه لم يكن مألوفا كثيرا بالنسبة للبعض، وتشير المصادر إلى أن زاده الذي كان منهمكا في تطوير ترسانة إيران النووية وفي بناء قنابل ذرية كان عضوا أيديولوجيا مهما في الحرس الثوري الإرهابي.

ضربات متتالية

وتعد الضربات المتتالية لأهداف نووية إيرانية انتكاسة لطموحات إيرانية النووية، ففي 2012 قتل عالم نووي إيراني في طهران، وفي يوليو استهدفت انفجارات غامضة عدة موقعا إيرانيا مهما لإنتاج الصواريخ الباليستية، إضافة لضرب منشأة نطنز النووية الأهم بين مثيلاتها في طهران.

ولم تقتصر الهجمات على الضربات العسكرية، بل إن عددا كبيرا منها نفذ عن طريق الفيروسات المحوسبة التي عطلت بدورها برامج إيران النووية لعقد ونصف، حسب المصادر.

وكان زاده هدفا كبيرا لإسرائيل منذ انخراطه في تطوير البرنامج النووي الإيراني، وقالت الصحيفة إن تل أبيب اتهمته بصراحة وفي مرات عدة بالعمل في برنامج «عمد» السري لتطوير أسلحة نووية، والذي استهدف في الماضي. وأضافت المصادر أن زاده كان يحظى دائما بحراسة أمنية مشددة.

سمات تل أبيب

ويقول المحلل الأمريكي من أصل هندي بوبي جوش في عرض رؤيته للحدث، والذي نشرته وكالة بلومبيرج للأنباء «إنه من المحتم أن يوجه النظام الإيراني أصبع الاتهام إلى إسرائيل».

وقال وزير الخارجية جواد ظريف: إن هناك دلائل جدية على أن هناك دورا لإسرائيل، ومن المؤكد أن الاغتيال يحمل بعض السمات المميزة لحملة اغتيالات تعرض لها علماء نوويون إيرانيون، نسبت لإسرائيل، فقد قتل 4 منهم ما بين 2010 و2012.

ولم تعترف إسرائيل على الإطلاق بالاغتيالات، لكن يبدو أنها أنهت حملة الاغتيالات بعد ضغط عليها من جانب الرئيس السابق باراك أوباما الذي كان يتفاوض مع طهران بشأن ما أصبح اتفاقا نوويا في 2015، يعرف بخطة العمل المشتركة الشاملة.

رغبة الانتقام

وقاد فخري زاده البرنامج النووي الإيراني حتى 2003 على الأقل، عندما توصل تقرير للمخابرات الأمريكية إلى أن البرنامج توقف، ولكن بعد فترة صمت لسنوات قليلة بدأ العمل في منشأة أبحاث في طهران مع الكثير من العلماء الذين كانوا جزءا من برنامج الأسلحة.

ويضيف جوش أنه يتم وصف فخري زاده أحيانا بأنه مثل روبرت اوبينهايمر، العالم الأمريكي الذي كان العقل المدبر لمشروع الأسلحة النووية الرائد في أربعينات القرن الماضي. ولكن ليس من المحتمل أن يكون لاغتيال فخري زاده تأثير مادي على البرنامج النووي الإيراني، الذي يعتقد أنه يضم مئات العلماء والمعرفة المؤسساتية الكافية لاستمرار العمل دون فخري زاده.

ويتمثل الخوف الرئيسي في أن الاغتيال سيطلق سلسلة من ردود الفعل داخل النظام الإيراني، حيث سيزداد الضغط للانتقام، سواء ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة.

ذكرى محرجة

وقال جوش إن توقيت اغتيال فخري زاده محرج بوجه خاص للقيادة الإيرانية، السياسية والعسكرية على السواء، فنهاية فترة الحداد - وهي عادة 40 يوما - سوف تتزامن مع الذكرى الأولى لاغتيال قاسم سليماني الذي كان قائدا لفيلق القدس الإيراني، وذلك في ضربة جوية أمريكية باستخدام طائرة مسيرة.

وبالنسبة للمتشددين في النظام، سوف يكون هذا الأمر بمثابة تذكير محرج بأنهم فشلوا في تنفيذ الانتقام الذي وعدوا به منذ عام، ومما يزيد الأمر سوءا هو أن أهمية فخري زاده بالنسبة للبرنامج النووي يتم تشبيهها بالفعل بنفوذ سليماني بالنسبة للشبكة الدولية الإيرانية للميليشيات التي تعمل لحساب إيران، وسوف تكون حقيقة عدم قدرة النظام الإيراني على حماية كبار علمائه في أرض الوطن أمرا ينطوي على إذلال بشكل خاص.

خيارات صعبة

وفي الوقت نفسه يدرك الإيرانيون تماما أنهم أمام خيارات صعبة، فلو استطاعوا ضبط النفس خلال الأسابيع الأخيرة من ولاية ترمب، قد يحصلون على رد فعل أفضل من الرئيس المنتخب جو بايدن، وأي انتقام عنيف لمقتل فخري زاده سوف يجعل من الصعب على الرئيس الجديد تقديم التنازلات التي تأمل طهران في الحصول عليها.

ويختتم جوش رؤيته بأنه من الناحية السياسية حينئذ قد يكون من المناسب للنظام الإيراني إذا ما تصرف الجميع على عكس ما ألمح إليه نتنياهو، ونسوا اسم العالم المغتال، ولكن حملة الانتخابات التي يتوقع أن تكون الهيمنة فيها للمتشددين تجعل ذلك أمرا مستحيلا تماما، إذ لن يكون من الممكن بأي حال من الأحوال نسيان فخري زاده.

ماذا قال الإيرانيون؟

«إسرائيل متورطة على الأرجح في اغتيال العالم فخري زاده».

محمد جواد ظريف - وزير الخارجية الإيراني

«زاده لعب دورا مؤثرا في تطوير القدرات الدفاعية والعدو استهدف شخصا خطا خطوات كبيرة ومؤثرة في هذا المجال».

أمير حاتمي - وزير الدفاع الإيراني

«إسرائيل تسعى إلى تشديد الضغوط على إيران والدفع نحو حرب شاملة في آخر أيام عمر الإدارة الأمريكية الحالية».

حسين دهقان - المستشار العسكري للمرشد

«جريمة اغتيال فخري زاده لن تمنع إيران من المضي في طريق التقدم والتطور السلمي».

عبدالرحيم موسوي - قائد الجيش الإيراني اللواء

«فخري زاده كان أحد أهم النخب العلمية المسؤولة عن الصناعات الدفاعية الإيرانية وساهم بدور مهم في تعزيرها».

علي أكبر صالحي - رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية