العالم

لماذا تتواطأ إيران مع تنظيم القاعدة؟

باحث أمريكي يجيب على الأسئلة الثلاثة الصعبة في مقتل أبي محمد المصري صفقة تبادلية ومصالح مشتركة وراء انتهاء العداء بين طهران وقادة التنظيم المخابرات الأمريكية عثرت على شريط زفاف بن لادن في قلب إيران اتفاق سري جعل الخط الإيراني الشريان الأساس لشبكة الإرهاب العالمية

القاعدة أدارت أعمالها من داخل إيران (مكة)
كيف تحولت العلاقة بين إيران والقاعدة من العداء إلى زواج مصالح؟ ولماذا بقي الرجل الثاني بعد أيمن الظواهري أعواما طويلة في طهران، يتنقل بحرية تامة وتحت أعين الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية؟ وكيف تم اختراق التحصينات الإيرانية الصلبة وقتل أبي محمد المصري في قلب طهران؟

كلها أسئلة محيرة طرحها الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات توماس جوسلين، على تفاجؤ صحيفة نيويورك تايمز بوجود قيادي القاعدة الكبير في إيران قبل اغتياله على يد فريق إسرائيلي، مؤكدا أن العلاقة بين الاثنين ليست خبرا جديدا، وفقا لموقع (24) الإماراتي.

قال جوسلين «تحرك المصري بحرية في إيران كي يدير أعمال التنظيم يجب ألا يصدم صحيفة نيويورك تايمز التي فوجئت لأن إيران وتنظيم القاعدة كانا عدوين لدودين»، واستطاع عملاء إسرائيليون قتل القيادي وابنته مريم في السابع من أغسطس الماضي بالنيابة عن مسؤولين أمريكيين في أحد شوارع طهران، بعدما كان الأخير مطلوبا من الأمريكيين لأكثر من عقدين، بعد تورطه في تفجير سفارتين أمريكيتين في كينيا وتنزانيا في السابع من أغسطس سنة 1998.

هجمات إرهابية

كشف جوسلين في موقع «ذا ديسباتش» أن حسابا تابعا للقاعدة على وسائل التواصل الاجتماعي تحدث أولا عن العملية السرية، ذاكرا مقتل المصري وابنته في إيران قبل أن يؤكد مسؤولون استخباريون هذا الخبر لصحيفة نيويورك تايمز، ثم لوسائل إعلامية أخرى. وتحدث الإعلام الإسرائيلي عن أن الإرهابيين كانا يخططان لهجمات ضد مصالح أمريكية وإسرائيلية قبيل اغتيالهما. إضافة إلى كونها ابنة الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة»، كانت مريم أرملة أحد أبناء أسامة بن لادن ووريثه الشرعي لزعامة التنظيم، حمزة، واغتالت الولايات المتحدة حمزة في مكان ما بين أفغانستان وباكستان، غير أن واشنطن لم توفر تفاصيل إضافية عن مكان قتله بالتحديد.

تحالف الشر

تزوج حمزة بن لادن ومريم المصري في إيران منذ حوالي 15 عاما، حيث كان يهدف اتحادهما إلى تعزيز الجيل الثاني من «القاعدة»، بعد هجمات 11 سبتمبر توجهت عائلة بن لادن إلى إيران، لم تسمح الأخيرة للعائلة بمغادرة أراضيها، فتوترت العلاقات، لكن إيران لم تقيد دوما تحركات المقربين من زعيم «القاعدة».

وجدت القوات الأمريكية تصويرا للزواج في مايو 2011، بعد الهجوم الذي شنته على مقر بن لادن في أبوت آباد بباكستان. وفي 2017 نشرت وكالة الاستخبارات المركزية الفيديو مع آلاف الوثائق والملفات الإضافية، بحسب ما يظهره الفيديو، كان حفل الزفاف حدثا احتفاليا، حيث حضر المصري شخصيا إلى جانب قادة آخرين من التنظيم وجدوا ملاذهم في إيران.

صفقة متبادلة

وصل العداء إلى أوجه بين القاعدة وإيران في مسائل عدة، وذكرت تقارير أن إيران وضعت أبرز قادة التنظيم مثل المصري تحت شكل من أشكال الاحتجاز خلال فترة محددة. في 2015 حرر الإيرانيون المصري وأربعة عناصر آخرين في مقابل إفراج القاعدة عن دبلوماسي اختطفته لهذه الغاية، لكن المصري ورفيقه سيف العدل، وهو مسؤول بارز آخر في التنظيم، أصبحا يديران الشؤون الدولية للقاعدة من إيران.

منذ ذلك الحين في صيف 2018 رفعت وزارة الخارجية مقدار المكافأة لمن يدلي بمعلومات عنهما من 5 إلى 10 مليارات دولار. وأكد عميل آخر للقاعدة في ذلك الوقت أن الرجلين ما عادا مسجونين وهما يعيشان «حياة طبيعية» داخل إيران.

خبرة تكتيكية

شرحت نيويورك تايمز وفق مصادرها أن المصري كان يعيش بحرية في حي باسدران في طهران، وهو ضاحية راقية، منذ 2015 على الأقل، أي طوال السنوات الخمس الماضية، وفسر الباحث ذلك بعدم قدرة النظام الإيراني على التواطؤ مع تنظيم القاعدة، وأشار إلى وجود عدد من الأدلة التي تظهر ذلك وتعود إلى التسعينات، حيث يشكل تفجير السفارتين الأمريكيتين سنة 1998 مثلا جيدا على ذلك.

وجدت لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر أن إيران ووكيلها الإرهابي الرئيس، حزب الله، أعطيا «القاعدة» «الخبرة التكتيكية» الضرورية لشن الهجومين المتزامنين منذ 22 عاما. أعجب بن لادن ومعاونوه البارزون بقدرة الإرهابيين المدعومين من إيران على دفع الأمريكيين للانسحاب من لبنان في الثمانينات وأرادت القاعدة استنساخ تلك التجربة. حين كان يعيش في السودان أوائل التسعينات تواصل بن لادن مع أبرز إرهابي في إيران عماد مغنية.

وأشار الباحث إلى أن القاعدة أرسلت عناصرها إلى إيران ومقرات حزب الله في البقاع اللبناني لتلقي تدريبات على كيفية بناء القنابل الضرورية، لشن هجمات كتلك التي قادها الحزب سنة 1983 ضد الثكنات العسكرية الأمريكية والفرنسية في لبنان. هكذا كان تفجير الثكنات سنة 1983 نموذجا لتفجيرات 1998 ضد السفارتين.

اتفاق سري

وأكد جوسلين أن هذه الوقائع غير خاضعة للجدل. علاوة على ما ذكره التقرير النهائي للجنة 11 سبتمبر، أعاد شهود من «القاعدة» تكرار هذه الرواية في محاكم أمريكية، كذلك توصل المجتمع الاستخباري الأمريكي إلى تقييمات متطابقة.

وفي السنوات الأخيرة كشفت وزارتا الخزانة والخارجية وجود «اتفاق سري» بين إيران والقاعدة سمح للتنظيم بالاحتفاظ بـ»خط تسهيل أساسي» على أراضيها. أسامة بن لادن نفسه وصف المركز الإيراني بأنه «الشريان الأساس» لشبكته العالمية.

وفي يوليو 2011 قال مساعد وزير الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية دايفد كوهين، «إنه عبر كشف الاتفاق السري بين إيران والقاعدة، الذي سمح للتنظيم بتحويل الأموال والعملاء عبر أراضيها، نلقي الضوء على جانب آخر من دعم إيران بشكل لا مثيل له للإرهاب».

ويرى الباحث أن المصري أدرك ذلك بشكل أفضل، ولهذا السبب قرر العيش داخل إيران خلال السنوات الخمس السابقة. كانت إيران ملاذه الآمن حتى أثبت له عملاء إسرائيليون عكس ذلك.