الرأي

فضيلة الاعتراف بالخطأ

فهد عبدالله
في منتصف العام الماضي 2019 ظهر على شاشات الأخبار والمواقع الالكترونية خبر اعتراف بيل غيتس بأكبر خطأ ارتكبه، وهو السماح لشركة «قوقل» بتطوير نظام أندرويد وخسارة الفرصة التي كلفت شركة مايكروسوفت خسارة ما يقارب 400 مليار دولار، وما يزيد الاعتراف بالخطأ شيئا من الدهشة لدى المتابعين أن المزاج العام في عالم الأعمال كان يربط خطأ تفويت فرصة «مايكروسوفت» الضائعة في مجال الهواتف المحمولة بعهد ستيف بالمر الذي كان في منصب الرئيس التنفيذي للشركة عام 2000 حتى عام 2014 بعد فترة بيل غيتس السابقة.

اعتراف بخطأ تبعاته خسارة 400 مليار دولار، بغض النظر عن ظروف هذا الاعتراف ودوافعه إلا أن الاعتراف بهذا الخطأ شجاعة وتصرف نبيل، حتى لو أتى بعد فترة طويلة الأجل، ويجعلني أتأمل قليلا في عالم الأعمال وغيرها من العوالم، هل الاعتراف بالخطأ فضيلة تساعد على تصحيح المسارات أم إنها مثلبة شخصية يجب مداراتها؟ أو كما نقول في لهجتنا الدارجة نضيع السالفة عنها وحولها!

تأمل يمينا ويسارا وفي الثقافة المجتمعية الدارجة لدينا، تجد أن ثقافة الاعتراف بالخطأ ليست تلك الثقافة الرائجة، وليس لدي في ذلك إحصائية دقيقة لكن على المستوى الشخصي عندما أرى عشرات الأخطاء الدورية في أي بيئة كانت، وهي ذات أثر وتشاهدها وتشاهد تضييع السوالف حولها، وتتكرر تلك المشاهد مع اختلاف المكان والزمان والأشخاص؛ قد تصل لنتيجة شبه حقيقية مفادها بأن هناك خللا في هذا الجانب، وقد يكون له مسبباته المتعددة.

قد يكون ارتباط الاعتراف بالخطأ بمعنى الفشل والقصور، يضع صورة ذات غبش تجعل النفس لربما تميل بشكل لا واع إلى الابتعاد عن مفهوم الاعتراف بالخطأ أو لربما ربط صورة الضعف أو أن القيمة الشخصية تنخفض لدى الآخرين بمجرد أن يكون هناك اعتراف بالخطأ، وهذا نوع من الخلط في المفاهيم التي تحدث في البرمجة الداخلية لدينا، تجعل من تصرفات الاعتراف بالخطأ ليست في قائمة التصرفات الحسنة، فضلا عن قلة مشاهدة مثل هذه التصرفات الشجاعة في جميع بيئاتنا الاجتماعية، قد ترسخ بطريقة غير مباشرة أيضا مفهوم: لا داعي من الاعتراف بالخطأ ومزيد من تضييع السوالف حولها.

وفي الحقيقة ما كان الاعتراف بالخطأ يوما ما مثلمة، بل هو أسرع طريق للتعلم ولصنع قرارات التصحيح، في عالم الأعمال مثلا، لا يمكن أن تصل لقرار صحيح دون الابتداء بخطوة تعريف المشكلة بشكل صحيح ودقيق، وإذا كان الخطأ وتفاصيل المشكلة يضيع توصيفها بين السوالف فبالتأكيد ستكون الحلول جزئية، وغير مثالية، وستتعاقب أسباب وجود الأخطاء، وبسبب عدم وجود الشجاعة الكافية بالاعتراف بالأخطاء ومسبباتها الرئيسة ستكون الحلول في أفضل أحوالها تعالج الأعراض التي ستظهر بشكل آخر في يوم آخر.

الحل وبكل بساطة إعادة برمجة العقل بالمفاهيم الصحيحة تجاه الاعتراف بالخطأ، بأنه نوع من التواضع والإقرار بالبشرية التي نحن عليها من حيث خلط الأعمال الصحيحة والخاطئة، فضلا عن أنه فضيلة تجبر ذلك النقص البشري الذي يعترينا، وأن من يقدم على ممارسة فضيلة الاعتراف بالخطأ لديه ثقة عالية بالنفس أو شفافية تعبر عن مدى الطهر الداخلي، الذي يدرك حتمية الخطأ وأهميته في التقويم والتطوير، ومن خلال تبديل تلك البرمجة اللا واعية بأن الاعتراف بالخطأ نوع من انخفاضات القيمة الشخصية إلى العكس تماما؛ بأنها رفعة للإنسان وعلو مقام لا يقدم عليهما إلا الفرسان.

fahdabdullahz@