الرأي

الإرهاب حين ينجح!

سالم الكتبي
لا شك لدي في أن أهم أهداف تنظيمات الإرهاب تتحقق ليس حين يقوم أحد عناصرها بارتكاب جرائم قتل آثمة ضد ضحايا أبرياء في بعض الدول الغربية فحسب، كما حدث مؤخرا في فرنسا والنمسا، ولكن أيضا، وهذا هو الأهم، حين تدفع هذه الجرائم القادة والساسة في الدول الأوروبية إلى السقوط في فخ الصدام مع الدين الإسلامي، باعتبار أن هؤلاء المجرمين يعبرون عن أيديولوجيته وقيمه ومبادئه، وهذه من أكبر المغالطات التي تحدث حاليا، وتتسبب في توتر العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي، بدلا من تضامن وتكاتف الأيدي في مواجهة الإرهاب والإرهابيين.

ومن التصريحات التي لفتت انتباهي على خلفية حادث الاعتداء الإرهابي الذي شهدته فيينا، عاصمة جمهورية النمسا مؤخرا، ما أدلى به المستشار النمساوي زباستيان كورتس، لصحيفة «فيلت» الألمانية، وقال فيه «أتوقع نهاية التسامح المفهوم خطأ»، وطالب الاتحاد الأوروبي بزيادة التركيز على هذه المشكلة مستقبلا، معربا عن اعتقاده بأن الأيديولوجية السياسية للإسلام تهدد الحرية ونموذج الحياة الأوروبي، وهو موقف يعبر عن غضب مفهوم ومبرر لكنه يعكس ردة فعل متسرعة باتجاه النظر للعلاقة بين الغرب والإسلام، فالإرهاب وتنظيماته لا يعبرون عن أيديولوجية سياسية للدين الإسلامي، فهذه التنظيمات لا علاقة لها بالإسلام ولا تعبر عنه، بل تتخذ منه غطاء لتحقيق أهدافا مصلحية ذاتية لا علاقة لها بهذا الدين الحنيف.

أعتقد جازما أن الحكم على الإسلام من خلال تنظيمات إجرامية تضم مئات أو حتى آلاف العناصر الإرهابية هو ظلم بيّن للدين الذي يعتنقه نحو ملياري مسلم حول العالم، كما أن القول بنهاية التسامح والتعايش كقاعدة صلبة لا غنى عنها للمجتمعات المتحضرة، يمثل انتصارا كبيرا للفكر الإرهابي المتشدد، وهدية مجانية لتنظيمات تأسست من أجل تغذية صراع الحضارات وإشعال نار الفتنة بين الإسلام والآخر.

قال المستشار الألماني كورتس في التصريحات نفسها إنه على اتصال مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزعماء آخرين، للتنسيق من أجل سلوك مشترك داخل الاتحاد الأوروبي، ولفت إلى أنه سيطرح هذا الأمر للنقاش في القمة الأوروبية المقبلة، وهذا أمر جيد بطبيعة الحال أن يكون هناك سياسات أوروبية مشتركة تتصدى لخطر تغلغل التنظيمات والأفكار الإرهابية المتشددة في المجتمعات الأوروبية، ولكن من الضروري بموازاة ذلك أن تنطلق هذه السياسات من ثوابت تفصل فصلا واضحا لا لبس فيه بين الإسلام والإرهاب، وتحدد المفاهيم والمقاصد بوضوح يحول دون توظيف أي إجراءات أو سياسات أوروبية جديدة من جانب تنظيمات الإرهابي، في تأليب مواطني الدول الأوروبية المسلمين على دولهم وقيمها ومبادئها، إذ يجب على هذه الدول في ذروة غضبها وانفعالها أن لا تتسبب في غرس العزلة والاغتراب في نفوس المسلمين من مواطنيها، والبالغ عددهم نحو خمسين مليونا تقريبا، يمثلون نسبة كبيرة من سكان بعض دول الاتحاد الأوروبي، كما هو الحال في فرنسا التي يبلغ عدد المسلمين فيها نحو خمسة ملايين نسمة.

من الضروري أيضا أن يدرك القادة الأوروبيون ضرورة وضع حد للإساءة للدين الإسلامي، والتصدي لظاهرة «الإسلاموفوبيا» المتنامية، من خلال ترسيخ قواعد ومعايير دقيقة لممارسة حرية التعبير، حتى لا تتحول ممارسات الإساءة للأديان إلى مبرر مقبول للاعتداء على حريات وحقوق الآخرين ومعتقداتهم الفكرية والدينية، لأن ضمان حرية التعبير للجميع يرتبط ارتباطا عضويا وثيقا بالمسؤولية، ومراعاة متطلبات التنوع والتعددية والتعايش الذي يوفر للمجتمعات حياة آمنة هادئة ويحول دون وجود بيئة حاضنة للتطرف والتشدد.

يجب علينا جميعا أن نرفض الإساءة للأديان بالدرجة نفسها التي نرفض بها ارتكاب جرائم القتل بدعوى الدفاع عن الإسلام أو غيره من الأديان والمعتقدات، فمن يرفع راية الإسلام زورا وبهتانا يتساوى مع مرتكبي الإساءة للإسلام من خلال الرسوم أو غيرها. كما يجب على من يعتبر الإسلام خطرا على القيم والحضارة الأوروبية أن يراجع التاريخ ويدرك حجم التفاعل الإيجابي بين الإسلام والحضارة الغربية في القديم، وبالتالي فإن تراجع هذا التفاعل وانحساره في العصر الراهن يرتبطان بالمسلمين وليس بالإسلام.

إن قطع خطوط الاتصال والتعاون بين العالم الإسلامي والغرب، بسبب سوء الإدراك المتبادل أو الحملات المغرضة التي تشعل أجواء العلاقات بين الطرفين؛ يمثل خدمة لتنظيمات الإرهاب والتطرف التي تسعى للوقيعة وإشعال نار صراع الحضارات والفتن، وفي المقابل فإن نشر خطاب الكراهية واستخدامه في الترويج للإرهاب وتبريره مسألة مرفوضة تماما.

salemalketbiar@