الرأي

خواطر نفسية.. كيف غيرت جائحة كورونا مهنة الطب؟

أحمد محمد الألمعي
لا يختلف اثنان على أن جائحة كورونا ‏أحدثت تغييرات كبيرة في العالم، وعلى عدة مستويات من حياة البشر، وتغيرت معها ممارسات الشعوب الاجتماعية والمهنية، ولم تستثن الجائحة الأطباء ومهنة الطب، التي تغيرت بشكل كبير في سنة 2020 في كل أرجاء هذا العالم.

كبداية ‏انصبت كل الجهود الطبية منذ بداية أزمة كورونا على تقديم العناية ‏لمرضى كورونا والمشتبه بهم والمخالطين، وكل من له علاقة بهذا المرض، ومحاولة منع انتشار العدوى حتى منع الكوارث الصحية في المستشفيات، نتيجة لذلك عانى المرضى الآخرون، ورأينا ما حدث ‏في أوروبا وكيف وصلت الكارثة إلى مستويات تاريخية، ففشلت القطاعات الصحية ‏في القدرة على استقبال الأعداد الضخمة للمصابين لأن عدد الأسرة في المستشفيات محدود، و‏لم تأخذ هذه الجائحة في الحسبان.

كانت هناك زيادة مفاجئة للحالات الحرجة التي تستدعي العلاج في أقسام العناية ‏المركزة، باستخدام أجهزة التنفس الصناعي، وتسبب ذلك في نقص شديد في هذه الأجهزة وتزايد أعداد الوفيات بدرجة كبيرة، وعجزت المستشفيات عن استقبال العشرات، بل المئات من هذه الحالات، وسوف يكتب التاريخ ‏جائحة الكورونا ‏كأحد الأوبئة ‏التي قضت على مئات الآلاف من البشر، وتسببت في عجز ‏الأنظمة الصحية لكثير من الدول المتقدمة.

في المقابل برزت أنظمة العناية ‏الصحية على غير المتوقع لبعض الدول مثل المملكة العربية السعودية، والتي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك بعد نظر القيادة في الاهتمام بالمواطن، ووضع الخطط المتعمقة والمدروسة ‏للتعامل ‏مع هذه الجائحة برغم الضغوط الاقتصادية، وبينما تسببت الموجة الثانية من كورونا في ظهور أعداد مخيفة للمصابين حول العالم، نرى أعداد المصابين في المملكة تستمر في الانخفاض.

‏كطبيب ممارس على مدى 30 عاما، قضيت جزءا كبيرا من حياتي المهنية في الولايات المتحدة الأمريكية ثم في الخليج قبل رجوعي إلى المملكة، ‏أستطيع القول بأني لم أمر بمثل هذه التجربة، ولا أعتقد أنني سأمر بها مرة أخرى، ‏فأنا وكثير من زملائي في مختلف التخصصات تحولنا لهذا المجال تحت ضغط الحاجة ‏لأطباء لعلاج عدوى كورونا وكل ما يتعلق بها، بسبب حاجة الوطن لأبنائه لتقديم مثل هذه الخدمات.

تطوعت ‏ضمن فريق من زملائي من مختلف التخصصات في مستشفى أرامكو جون هبكنز، لتقديم الخدمات في مركز اتصالات كوفيد -19 المنشأ حديثا لهذا الغرض عند بداية الجائحة، وكانت مدة التدريب قصيرة ويومية وجزءا من العمل لمتابعة آخر التطورات والتوصيات لعلاج كل من لديه اشتباه، وتقديم النصح والتعامل مع الحالات في الحجر الصحي.

ورغم الضغوط النفسية وقلة المعلومات عن هذا المرض، وعدم قدرتنا أحيانا على تقديم الأجوبة الشافية لأن المعلومات عن هذا المرض المرض ببساطة غير متوفرة حتى لدى أكثر الدول تقدما؛ كنا نحس بالفخر والسعادة لقدرتنا على المساهمة، وتقديم العون لكثير ممن تم التواصل معهم من الأسر والسائلين ومقدمي الرعاية الصحية في مختلف المناطق النائية والقريبة التابعة لأرامكو، الذين كانوا في أحيان كثيرة في حالة خوف شديد ويأس وحيرة، لأننا كنا نقدم توصيات معينة في يوم لنعود اليوم التالي ونغيرها بناء على المعلومات الجديدة التي تصلنا من الجهات الرسمية و الأبحاث القليلة والمتضاربة في بعض الأحيان عن فيروس كورونا.

تكتشف معلومات جديدة كل يوم عن الأعراض والمضاعفات وطرق العلاج، كما تابع كثيرون منكم ذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي. ستمر سنوات طويلة قبل أن نصل إلى صورة واضحة عن كيفية علاج هذا المرض، وهناك كثير من الدروس المستفادة لكل العاملين في القطاع الصحي يجب التعلم منها.

almaiahmad@