الرأي

«البعض» ومشتقاتها

مرزوق بن تنباك
هذه الكلمة الصامتة اللينة في ملمسها الطيعة في طبيعتها الطيبة في معناها الراضية المطمئنة، أحبها الناس وتعاملوا بها في حدود معقولة أول الأمر، وجدوها كلمة تقبل الظلم ويتسع صدرها لما تضيق به صدور الناس، فألقوا على كاهلها الضعيف كل ما تستطيع حمله من جمل لاذعة، ونقد جارح يوجه عبر محيطها إلى الآخرين إذا لم يستطع الإنسان أن يكون صريحا بما يريد قوله، حتى يجد لنفسه مخرجا من اللوم ولنقده قبولا في الأنفس، يعمد المنتقد إليها ويلوذ بها ويتوارى في ظلها الرقيق وخيالها الشفاف، فيقول: عمل البعض وأخطأ البعض وقصر البعض ومات البعض وعاش البعض. أصبح الاتكاء عليها أقرب الطرق إلى السلامة، وهو الطريق الآمن إلى حد ما، ولا سيما في أجواء الموثوقية العالية في النفوس التي لا تقبل النقد، ولا تظن أنها تفعل خطأ في تصرفاتها وفي أعمالها وأفعالها ومن مِن الناس لا يكون محبا للسلامة وطالبا لها، ومن مِن الناس لا يود أن يرى النقص يتحول إلى الكمال والخطأ إلى الصواب والعجز إلى القدرة، ولا يكون ذلك والناس يتحاشون تحديد الأخطاء ويلجؤون إلى التعميم (بهذه البعض). حين لا يجد المنتقدون من الشجاعة ما يساعدهم على وضع الأمر موضعه، وتوجيه النقد إلى من يستحقه وتعيين المقصر أو المخطئ دون هذه الالتواءات والإشارات الهاربة التي تنتقد من بعيد ولا تقوى على الاقتراب ولا حتى التعيين؛ أي إصلاح يرجى إذا عمم الخطأ بهذه البعض. وما أخف وألطف الانتقاد الذي يوجه إلى أحد من الناس، فيشرك معه في أخطائه من يشاركه في العمل أو الهيئة والطائفة والوظيفة فتقسم أخطاؤه عليهم. إذن من يقصرون أو يخطئون يحتاجون هذه البعض ويفرحون بها، حتى لا تحدد الأخطاء ولا تعين الذوات، ويندسون مطمئنين إلى مجموعة من الناس يتحملون معهم أخطاءهم، ويشار إلى الجماعة كلها بفضل هذه البعض المسكينة. إن النقد البناء يحتاج تحديد الأخطاء وتعيين الذين يقعون فيها، وبيانها في لغة لا تتلفع بالغموض ولا تتكئ على مساحات التعميم الواسعة التي يحتمي بها عندما يستعمل الناقدون لتصرفاته (هذه البعض). وما يريد الخطاؤون حماية ورفقا بهم وأمكن لتصرفاتهم من وصفهم بها، وضم الجماعة كلها إليهم وإشراكها معهم حيث يدخل فيها من لا ناقة له ولا جمل. وكثيرا ما يحدث أن يوجه النقد مثلا إلى رجل من رجال الأعمال أو اثنين أو ثلاثة، فيقول الناقد بعض رجال الأعمال يصنعون ويفعلون، وما يعني بما يقول إلا واحدا أو اثنين أو ثلاثة منهم، وإذا أراد نقد فئة أخرى تتعلق مسؤوليتهم بإصلاح الوضع الإداري قال: بعض المسؤولين يفعلون كذا وكذا، وما يريد غير واحد أو اثنين، وهكذا كلما أخطأ رجل أو رجلان في دائرة من دوائر المجتمع ركض المنتقد إلى هذه البعض فدشن بها أخطاء هذين الرجلين وعممها على كل من يشاركهم العمل أو المهنة، فيقسم أخطاء المقصرين على كل الجماعة التي ينتمي إليها ويدخل في عمومها. النقد الذي يوجه بلغة البعض ومرادفاتها سبب من أسباب الاستمرار بالأخطاء وعدم الإقلاع عنها، والواجب على من يتصدى لشؤون المجتمع ويحاول إصلاحها أن يتحلى بالموضوعية والصدق أولا، وبالشجاعة ثانيا، ويحدد الأشخاص ويعين المقصود ولا يعمم، ولا سيما فيما يتعلق بالشأن العام والقضايا الاجتماعية التي تهم الناس كافة. Mtenback@