الرأي

العولمة الجديدة.. الهوية والتحديات

عبدالله العولقي
يقول البروفيسور دونالد تشارلز هليمان، أستاذ الدراسات الدولية بجامعة واشنطن: إن العالم يمر الآن بعصر متغير ومبتكر، ويجب أن نفهم جيدا أن التكنولوجيا هي القوة المحركة لهذا التغيير». فهذه التغيرات المتسارعة في التقنية والتي يصفها البعض بتدشين حقبة مستقبلية تسمى العولمة الجديدة، هي مرحلة تتشكل الآن وبتوائم جيد مع مفرزات المستقبل القادم كالذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء.

عندما عصفت جائحة كورونا بالعالم في مستهل هذا العام 2020، تحدث كثيرون عن انقضاء عهد العولمة التقليدية، وبدء عصر جديد تتحدد أطره بانكفاء الدول والشعوب داخل أسوار حدودها الجغرافية، تماما مثلما تسبب كورونا في فرض (حظر التجول)، ولا شك أن هذه الرؤى السلبية قد تشكلت بعد أن توقفت خطوط الملاحة الجوية والبحرية وتعطلت حركة المسافرين والمطارات والموانئ، وبقيت السفن التجارية حائرة بين أمواج البحار والمحيطات.

هذه الصور الصعبة التي ربما لم تشهدها البشرية من قبل قد انعكست رؤاها في نظر البعض على أنها انتهاء لحقبة العولمة التقليدية، بينما الواقع الفعلي ينذر بتشكل حقبة من العولمة بنمطية جديدة.

على سبيل المثال، مظاهر العولمة الجديدة قد شرعت تتشكل عموما عبر انتقال آلية التجارة الدولية من فكرة النمطية التقليدية (الحاويات) التي كانت تعج بها موانئ العالم في الشرق والغرب إلى فكرة الطرود البريدية التي بدأت تتشكل بصيغتها الالكترونية عبر موقعي علي بابا وأمازون - مثلا، مما مكن التجار ورواد الأعمال من تنفيذ أوامر البيع وحجز البضائع ومن ثم نقلها عبر الطرود التجارية لتصل إلى أي عنوان في العالم بكل يسر وسهولة.

هذه صورة واحدة من مشاهد العولمة الجديدة التي أسفرت عن قفزات هائلة وتطورات عظمى لدى شركات البريد العالمية خلال السنوات الماضية، والتي كانت مهددة بالانقراض التام بعد اختفاء مفهوم (الرسالة الكتابية) في ظل الطفرة التقنية لوسائل التواصل الاجتماعي.

وبهذا، تتشكل العولمة الجديدة كهوية جامعة للثقافات البشرية، ومن هنا تظل التغيرات المناخية هي أبرز تحديات العولمة الجديدة وهويتها الإنسانية، نظرا لما تشكله من قيود وموانع لإبراز تلك الهوية على صورتها الحضارية المرجوة، فارتفاع درجات الحرارة بهذه الصورة القياسية وما سببته من حرائق كارثية في غابات الولايات المتحدة ومحميات الأمازون، إضافة إلى ارتفاع منسوب مياه الأنهار بشكل مفاجئ وما تشكله من فيضانات مدمرة مثلما حصل في السودان أخيرا؛ هي تحديات صارخة أمام تشكل هوية العولمة الجديدة بصورة إنسانية.

العولمة بنسختيها القديمة والجديدة نمطية اقتصادية بحتة، ولكن التدخلات السياسية دائما ما تفرض قيودها وتشكلاتها على الواقع، ولهذا يقلق الاقتصاديون والباحثون كثيرا من سباق السطو على هوية العولمة الجديدة بين الهيمنة الصينية (علي بابا) أو الهيمنة الأمريكية (أمازون)، ولهذا تتجدد مطالبهم بتأسيس نظام حديث يتواءم مع العولمة الجديدة، ويسمح بالحرية الاقتصادية لضمان المنافسة العادلة بين كل شركات التجارة الدولية.

@albakry1814