الرأي

لا أودعك يا مملكتي

محمد الأحمدي
أكتب بحبر الحب، وأسطر بمشاعر الوفاء، وأرسم بريشة قيم الأصالة، ألون بألوان العلم الأخضر، وأمزجها بعراقة المضمون الذي يحمله.

أنضجها لتتلألأ كالتبر، فأعبر بمضمونها عن جمال الأمر. الوطن كلمة رنانة لغويا تحمل صوتا ومعنى، وتثير مشاعر ومغنى.

فيها حياة وروح، تداوي غربة الجروح، فيا مملكتي في تمازج وجودك، وتعانق تنوعك، وتباين أقاليمك؛ تشكل طيفك الحديث، فبات قصة تحكى، إنها مكرمة من الله تُشكر.

تلتقي نسائم الجنوب بلفح الشمال، ويختلط طهر الحجاز بعراقة نجد، وكرم الأحساء بوفاء طريف في ينبوع الولاء والصفاء، تلقي الدهناء التحية على السراة، ويصافح البحر الخليج، في مشهد الوحدة الوطنية الفريد.

تعانق عسير جازان، وتصافح الرياض نجران، وترحب مكة بمدينة المصطفى، وتغني باحة الحب بالوفاء، وتلتقي تبوك بالجوف وحائل، ويفز القصيم لحد الشمال، وتتداخل في الشرقية عراقة الصحراء بكرم الخليج.

ثلاث عشرة منطقة في جيد الوطن، نظمت بهوية الدين، وجمع شتاتها حبل الصدق، وألفت بين قبائلها حكمة الملك عبدالعزيز رحمه الله.

يهب نسيم التنمية لينثر عبقه الفواح على القرى والهجر، فتنتشي طربا بمقدمه، وتزدهر بنسمته. ينمو الإنسان، ويتطور التعليم، وترتقي الخدمات، وتتحسن الحياة، وتسهل الصعاب، تتناقص الأمية في مجتمع وصف بها ذات يوم، لتصبح في أدنى معدلاتها العالمية.

الوطن ينمو فلا يشيخ، وبلوغه التسعين نضج، والزمن في حياة الأمم تجارب، تمهد الحقبة للأخرى، وتحسن الفترات بعضها بعضا.

يبتعد عنك الجسد، ولكنك تسكن الروح، اشتد عودي من ثراك الندي، وتكون فكري متنقلا بين سهولك وجبالك، فأخذ منها الطموح دون مزاحمة، والثبات دون تأثر نحوك يا موطني، ففي المضمار الأصيلة بالمسير تقوى، وإن تقدمتها الجياد لبرهة، فالعبرة بخط النهاية.

التسعون حلت وأنت قائد لقمة العشرين، ناشرا للعالم تجارب السنين، ومضيفا تميزك في إدارة أزمة الكورونا التي عصفت بالناس أجمعين. ما أحلمك يا وطني، تُرمى نخلتك فتساقط رطبا، تشتم سحابة كرمك وهي تهل المطر، ترعد الأصوات وتبرق الأفواه فتزول ويبقى جدول ينبوعك متدفقا.

يهاجمك قلم مشبوه وحبره مشتق من كنوز ثروتك، ومستخرج من باطن ثراك، لكنه تنكر عن أصوله حين تلون بصبغة المؤثرات. لا تغيب عن تبرعاتك الشمس، ولا يحجب عطاءك الغربال، فمن الغرب حتى الشرق أقصاه، تجوب قوافل الإغاثة لتنقذ النفوس وتسعد المكلوم، وتخفف الألم.

فما إن أفاق العالم من فاجعة لبنان حتى خيم الحزن على السودان. وفي المشهدين تتسابق المكرمات الملكية. هما مثالان، وإلا فدور المملكة مشهود، عطاء بلا منة، واستشعار للمسؤولية تجاه الإنسانية، مبادئ العربي الأصيل، تقسو عليه الصحراء فيتشبث بها، ويجور عليه الزمان فلا يفقد قيمه، يجوع وهو يكرم ضيفه، يظمأ ليسقي غيره.

مررت بلندن فإذا العلم ينتصب مرفرفا تداعبه نسائم الصبح، ويسقيه شعاع الشمس، فيظهر ما طرز به من بياض كاللؤلؤ المنظوم، فيأسر بريق اللآلئ فؤاد المفتون، ويثير الشجون، ويخفف ريب المنون، فتبتسم الشفاه وتتسع العيون، أما يُعذرُ في الهوى الجنون!

داعبتك بكلمات يا مملكتي فيها أدب، ثم غلفتها بالإحساس، ففي رُبى مكة، ورحاب الحرم، وروضة المصطفى، والركنين والملتزم، وبالطواف والمسعى جامع العرب والعجم، تنزل فترسخ دينا عظيما ومبادئ تنير الأمم.

لا أودعك يا موطني فلا أذكرك إلا بيومك الوطني، فأنا أنت، وأنت أنا، كلانا متلازمان، أشارك في بنائك، وأعلي من شأنك، تشاركني هويتي التي في معيتي، روحي أقصر من مداك، وعمري لا يقارن ببقائك، فالأجيال تفنى والأرض تبقى لأجل مسمى، إن عشت فأنا على ثراك، وإن مت فسيضمني ثراك.

حفظ الله ملكنا وولي عهده ويسر لهم الخير وجمعنا بهم في هذه الدنيا على حب هذا البلد العظيم، والتفاني في تنميته واستدامة عطائه.