موضوعات الخاصة

كيف حول نظام إيران المرأة إلى مجرمة؟

معهد الولايات المتحدة: محاولات الإصلاح في عهد رفسنجاني وخاتمي فقطنجاد بدأ عمليات الاعتقال والقمع والتنكيل.. وعود روحاني تبخرت في الهواء

متظاهرات إيرانيات خرجن ضد الشاه قبل أن يواجهن القمع مع الخميني (مكة)
فيما تواجه الناشطة الحقوقية نسرين ستودة الموت داخل سجن ايفين في طهران بعد أن أضربت عن الطعام لمدة أسبوعين متتاليين، تواجه آلاف النساء الإيرانيات شتى ألوان العذاب والقمع والتنكيل داخل سجون مختلفة تمتد بعرض البلاد، وبمباركة من نظام قمعي يصدر الإرهاب وينشر التطرف والدمار والقتل.

يؤكد معهد الولايات المتحدة للسلام أن وعود الرئيس الإيراني الحالي للمرأة الإيرانية تبخرت في الهواء، بعدما باتت هناك ثلاث اتهامات جاهزة تلاحق أي امرأة تحتج على الأوضاع الحالية، تتمثل في التواطؤ ضد الأمن القومي، والدعاية ضد الدولة، وتشجيع الفساد الأخلاقي والدعارة.

يرى تقرير صادر عن المعهد أن الإجراءات التعسفية لنظام الملالي حولت المرأة الإيرانية إلى (مجرمة)، بدلا من تكريمها وتمكينها والاعتراف بدورها المجتمعي كأم وأخت وزوجة وشريك رئيسي في التنمية، ويشير إلى أن الثورة البيضاء التي أطلقها الشاه الإيراني أعادت الكثير من الحقوق للمرأة، قبل أن يعيدها الخميني مئات السنين للوراء، في ظل محاولات إصلاحية للرئيسين رفسنجاني وخاتمي، ارتدت سريعا للخف مع تولي أحمد نجاد المسؤولية، ثم زاد القمع مع روحاني.

الثورة البيضاء

أعلن الشاه الإيراني في عام 1963 عن أول إصلاحات سياسية واجتماعية كبرى لتلميع صورته مع الغرب، والتي أطلق عليها «الثورة البيضاء»، حيث أعطيت المرأة حق التصويت وسمح لها بالترشح للمناصب السياسية.

وبحلول عام 1978 عشية ثورة الخميني، شغلت النساء 22 من أصل 268 مقعدا في البرلمان الإيراني، و 333 مقعدا في المجالس المحلية، وكانت هناك 5 قاضيات، وسمح للنساء بالحصول على الطلاق في حال استحالت الحياة، ورفع السن القانوني للزواج من 13 إلى 18 عاما بموجب قوانين حماية الأسرة لعامي 1967 و 1975.

قيود وتهميش

في منتصف السبعينيات، تعرضت حقوق المرأة لقيود شديدة بعد الثورة، على الرغم من خروج عشرات الآلاف إلى الشوارع للاحتجاج على الشاه.

خلال عقد الخميني، علقت الحكومة قوانين حماية الأسرة. قيدت الحريات الاجتماعية، مثل الحق في الطلاق. خفضت سن الزواج للنساء إلى 9 سنوات، وسن الزواج للرجال من 18 إلى 15 عاما، وواجه المخالفون عقوبات قاسية، بما في ذلك الجلد والسجن، لكن احتفظت المرأة بالحق في التصويت والترشح للبرلمان.

شهد عام 1998 تطورا نسبيا للمرأة على صعيد التعليم، وشكلت الإناث 60 % من الطلاب في الجامعات الإيرانية، وقامت المرأة بحملات نشطة ساهمت في تخفيف القيود الاجتماعية المفروضة عليهن.

ومع مرور الوقت اشتكت المرأة من التهميش والتجاهل، وفي إحصائية خلال العام الحالي، شكلت النساء 15.2% فقط من القوى العاملة، وشغلن 6% فقط من المقاعد في البرلمان. وواجهت النساء المتزوجات حماية غير كافية من العنف المنزلي، وتم سجن النشطاء الذين احتجوا، حتى إن البعض انتحر لتجنب العقوبة القاسية، وقالت سوسان تهماسيبي الناشطة البارزة في مجال حقوق المرأة «الحركة النسائية مثل إيران نفسها معقدة، وضع المرأة ليس بسيطا مثلما يسمعه الناس خارج البلاد».

مرحلة الانكماش (1979-1989)

شاركت النساء في الثورة، لكن دورهن في المجتمع كان محل نقاش ساخن خلال الفترة الانتقالية التي استمرت 16 شهرا حيث حدد الثوار نظاما سياسيا جديدا، وقعت النساء في مرمى النيران السياسية بين المحافظين والليبراليين الذين انفصلوا بشكل متزايد بعد الإطاحة بالنظام الملكي.

في مارس 1979 .. احتجت آلاف النساء على أمر الخميني بأن ترتدي جميع النساء الشادور الأسود الموحد، وجد الأمر معارضة كبيرة من جبهات نسائية عديدة، وطالبت النساء أيضا بحقوق مدنية متساوية وإنهاء التمييز في السياسة والمجتمع والاقتصاد، وهتفت المتظاهرات أمام قصر العدل في 11 مارس « 1979 في فجر الحرية.. غياب للحرية .»

وفي 2 أبريل 1979 أعلن الخميني قيام دولة دينية، وباتت العديد من العائلات لا تسمح لبناتهن بالتعليم بعد المرحلة الابتدائية، بسبب الفصل الجديد في الفصول الدراسية حسب الجنس، وقالت الدكتورة فتمة حاجاتجو ، عضوة إصلاحية «إذا لم يكن هناك فصل بين الجنسين في مستوى الحضانة إلى الصف ال 12 ، فإن العديد من العائلات لن ترسل أطفالها إلى المدرسة، أنا لا أؤيد الفصل بين الجنسين، ولكن المجتمع التقليدي ساعد على ذلك .»

في عام 1980 ،تحرك النظام بسرعة لفرض رؤية جامدة، ألغت قوانين حماية الأسرة وخفض سن الزواج من 18 إلى 13 ، ثم خفض من جديد إلى 9 أعوام وفصلت المدارس حسب الجنس، وفقدت المرأة الحق في الطلاق وحضانة الأطفال.

محاولات الإصلاح (1989-2004)

بدأ عصر سياسيي جديد مع انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 وموت الخميني في يونيو 1989، وكانت الناخبات كتلة محورية خلال الانتخابات الرئاسية عام 1989 التي دفعت برفسنجاني إلى السلطة وأعادت انتخابه عام 1993.

كان الرئيس رفسنجاني براغماتيا، أيد الناخبون الإيرانيون بأغلبية ساحقة دعوته للإصلاح التدريجي، خففت حكومته القيود الاجتماعية على النساء، وسمحت الإصلاحات ببدء إجراءات الطلاق ورفعت القيود المفروضة على توظيف الإناث في الأعمال الهندسية والقانونية، وحصلت النساء على إجازة أمومة إلزامية مدتها أربعة أشهر، وتم تمرير قانون تكافؤ الفرص في العمل، وخففت العقوبات على الملابس غير اللائقة، وسمح للمرأة بالإجهاض عندما تكون حياتها مهددة.

وفي 1989، قدمت إيران تنظيما للأسرة، تضمن وسائل منع الحمل المجانية، مما أدى إلى انخفاض معدل النمو السكاني من 3.9% في 1985 إلى 2.7 % في 1992، وكانت إحدى نقاط بيع البرنامج أن المرأة ستتمتع بحياة أفضل مع عدد أقل من الأطفال .

فازت المرأة في أبريل 1992 بـ 13 من أصل 270 مقعدا. وبعدها بأربعة أعوام اختيرت لمنصب عمدة أحد أحياء طهران، وبات 30% من موظفي الحكومة من الإناث، وعين رفسنجاني شهلا حبيبي مستشارة لشؤون المرأة، وفي ولايته الثانية عين نائبة وزير.

وفي عام 1997 أدى انتخاب الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي إلى تسريع التقدم، أصدر قوانين تمنح حقوقا قانونية أكبر في إجراءات الطلاق وتحسن الوصول إلى التعليم العالي. وفي عام 2002، رفع المجلس سن الزواج إلى 13 عاما، وقالت الناشطة هاغيغاتجو «لم يكن لدينا أي برلمان آخر مثل البرلمان السادس (2000-2004) من حيث دعم حقوق المرأة».

زاد حضور النساء في التعليم والقوى العاملة في عهد خاتمي، وتضاعف عدد النساء الملتحقات بالجامعة 3 مرات، وفي 2003 هنأ خاتمي محامية حقوق الإنسان شيرين عبادي بأنها أصبحت أول امرأة إيرانية تفوز بجائزة نوبل للسلام، وأتي بالنساء للمناصب الحكومية العليا، وعين معصومة ابتكار نائبة للرئيس لشؤون البيئة بالإضافة إلى عدد قياسي من النساء في المناصب الحكومية العليا.

التراجع والقمع (2004-2013)

في عامه الأخير من الحكم، واجه خاتمي معارضة لمزيد من الإصلاحات للنساء بعد أن فاز المتشددون والمحافظون بأغلبية المقاعد في الانتخابات البرلمانية عام 2004. رفض المجلس الجديد اقتراحا بتوسيع حقوق الميراث واستخدام المساواة بين الجنسين كمعيار للتنمية الاقتصادية.

وقبل أيام من الانتخابات الرئاسية لعام 2005، احتجت مئات النساء على التمييز على أساس الجنس خلال الحملة التي وضعت محمود أحمدي نجاد، الوافد الجديد المتشدد ، ضد الرئيس السابق رفسنجاني، حيث هتف النساء «نحن نساء، نحن أبناء هذه الأرض، لكن ليس لدينا حقوق».

عزز فوز أحمدي سيطرة المحافظين والمتشددين مما أدى إلى تراجع حقوق المرأة. ومنعت طهران في العهد الجديد النساء من تخصصات عديدة مثل علوم الكمبيوتر والهندسة والعلوم السياسية والمحاسبة والأعمال والإدارة العامة، كما ألغت حكومته الميزانية المخصصة لتدابير تنظيم الأسرة التي وضعها رفسنجاني، وقدمت للأسر حوافز مالية لإنجاب الأطفال.

وخلال رئاسة نجاد، قام القضاء بقمع الناشطات. وفي عام 2006، اعتقلت الشرطة عشرات النساء اللاتي وقعن على عريضة المليون توقيع للمطالبة بحقوق في الزواج والطلاق والحضانة والميراث. وصعد النظام حملته في 2008 عندما اعتقل سوزان تهماسيبي، زعيمة حركة الالتماسات، وتم اعتقال 4 ناشطات لكتابة مقالات على مواقع نسوية، حكم عليهم بالسجن 6 أشهر، وأغلقت الحكومة مجلة «زنان» الإيرانية النسوية الرائدة ، بعد أن اتهمتها بأنها «تهدد للأمن النفسي للمجتمع».

انخفض تمثيل المرأة في السياسة، وحاول أحمدي نجاد ترشيح ثلاث سيدات في حكومته، ولكن تم التأكيد على واحدة فقط، مرزية وحيد دستجردي كوزيرة للصحة، وفي الانتخابات البرلمانية لعام 2008، تم انتخاب 9 نساء فقط من أصل 585 مرشحة.

الوعود تبخرت (2013-2020)

كانت لدى الإيرانيات أمال عريضة عندما تولى حسن روحاني الرئاسة في أغسطس 2013 . ترشح كإصلاحي وسطي، لم يقدم حملة صريحة من أجل حقوق المرأة، لكن العديد من الناخبات أيدن أجندته واعتقدن أنه سيكون على غرار رفسنجاني وخاتمي، كتبت المحامية الحقوقية مهرانجيز كار،

في أكتوبر : « 2013 صوتت نساء إيران للرئيس روحاني، وسوف يراقبن عن كثب تصرفات إدارته بشأن قضايا المرأة .»

رفع روحاني تمثيل المرأة في الحكومة والقوى العاملة. في فترة ولايته الأولى، عين 4 نائبات رئيس و 3 محافظات على مستوى المقاطعات والمحافظات، ومع ذلك، انتقدت ناشطات روحاني لعدم تعيين أي امرأة في حكومته.

عقب فوزه بإعادة انتخابه في 2017 ، عيّن نساء في ثلاث مناصب، معصومة ابتكار نائبة الرئيس لشؤون الأسرة والمرأة، لايا جنيدي نائبة الرئيس للشؤون القانونية، شهيندخت مولاوردي مساعدة رئاسية للحقوق المدنية، لكنه فشل مرة أخرى في تعيين امرأة في حكومته.

في 2019 ، أقر البرلمان ووافق مجلس صيانة الدستور المتشدد على قانون يسمح يسمح للمرأة بنقل جنسيتها إلى أطفال الأزواج الأجانب. وفي أكتوبر من العام نفسه سمح لآلاف النساء بحضور مباراة كرة قدم دولية في طهران لأول مرة منذ ما يقرب من أربعة عقود؛ تم السماح بالتغيير فقط لمباريات FIFA وليس للألعاب المحلية.

لكن الحكم جاء في أعقاب انتحار سحر خضياري 22 « عاما » الذي تم تغطيته على نطاق واسع، بعد أن تم القبض عليها لحضور مباراة كرة قدم، وأشعلت النار في نفسها بعد أن حكم عليها بالسجن من 6 أشهر إلى سنتين.

تبخرت وعود روحاني، وواصل القضاء قمع الناشطات، وقالت كارين كرامر، مديرة المطبوعات في مركز حقوق الإنسان في إيران «إما يكون روحاني غير قادر تماما أو غير راغب تماما في معالجة اضطهاد ناشطات حقوق المرأة .»

احتجت النساء في مايو 2017 على قواعد اللباس الحكومية الصارمة، وتم توقيف العديد منهم بتهمة ارتكاب جرائم مختلفة منها: أعمال التجمع والتواطؤ ضد الأمن القومي، دعاية ضد الدولة، وتشجيع الفساد الأخلاقي والدعارة، وهو ما تواجهه نسرين ستودة حاليا وآلاف النساء الإيرانيات.