موضوعات الخاصة

قصص برائحة الموت في انفجار بيروت

سيدة مسنة: لا نملك طعاما ولا مالا ومنازلنا دمرت.. إنها نهاية العالم عماد عبور: رأيت أناسا ينزفون حتى الموت بسبب نقص الأكسجين مستشفيات بلا كهرباء وأطباء يستغيثون ومشهد مأساوي يؤلم بيروت سيناريو الانفجار تحول إلى أكبر فيلم رعب شاهده العالم فيسك: يخيم الغموض على هذه البقعة، ويتفشى نقص المسؤولية السياسية

لبنان تحترق وتزداد اشتعالا (د ب أ)
كانت أصوات صافرات الإنذار تدوي في أذن عماد عبور وهو يزحف إلى وحدة العناية المركزة في مستشفى سانت جورج، ويشم رائحة الموت على بعد خطوة واحدة من انفجار مرفأ بيروت.

قتل ما يقارب من 200 شخص، وأصيب أكثر من 5 آلاف آخرين من جراء الانفجار الذي هز العاصمة اللبنانية، ودمر معظم الميناء، وأطلق سحابة شاهقة من الرماد الأحمر والرمادي على شكل فطر إلى عنان السماء، بحسب تقرير صحيفة الإندبندنت البريطانية.

قال عماد (21 عاما) وهو لا يزال يرتجف والدماء تغطي وجهه بالكامل من جراء سحب الجرحى من تحت الأنقاض «كان أسوأ شيء رأيته في حياتي على الإطلاق، وضعنا بعض الحالات الحرجة تحت نوافذ محطمة وأبواب حراسة ثقيلة فارقت إطاراتها، نقلت المرضى الذين لا يستخدمون أجهزة تنفس صناعي على أفضل وجه، لكني رأيت أناسا ينزفون حتى الموت، بعد أن خلعت توصيلاتهم الوريدية المغذية، وتوفي البعض بسبب نقص الأكسجين».

مستشفى بلا كهرباء

دمر قسم الطوارئ في المستشفى، وانقطع التيار الكهربائي بسبب موجة الانفجار، وأعد الأطباء أجنحة موقتة في ساحة انتظار السيارات، التي كانت تستخدم لإجراء اختبارات فيروس كورونا المستجد.

بذل الأطباء أقصى ما في وسعهم لمعالجة سيل من المواطنين المصابين المستلقين على عربات نقل المرضى في العراء، بينما حاول آخرون إنقاذ المرضى من تحت أنقاض المستشفى نفسه، وتجمع أفراد مذهولون في الخارج، بينما كان أفراد الطاقم الطبي يستغيثون بأنه لا توجد كهرباء، وليس لديهم مصادر للطاقة بالمستشفى.

تضارب التصريحات

تضاربت التصريحات الحكومية واشتاط اللبنانيون غضبا، قال وزير الداخلية محمد فهمي إن الانفجار نجم عن تفجير أكثر من 2750 طنا من نترات الأمونيوم كانت مخزنة في مستودع بالميناء منذ مصادرتها من سفينة شحن عام 2014م، ورد الرئيس اللبناني ميشال عون بعدها عبر تويتر «من غير المقبول أن يخزن مثل هذا الكم الهائل من المواد المتفجرة في مستودع لمدة 6 سنوات دون اتخاذ تدابير أمان كافية»، وتعهد بأن يواجه المسؤولون عن هذا الأمر أشد العقوبات.

وأظهرت لقطات فيديو بالقرب من موقع الحادث، حريقا أوليا وانفجارا أصغر يضرب الميناء، قبل أن يمتد على ما يبدو إلى مبنى قريب، مما أدى إلى انفجار ثان أطلق موجة صادمة عبر وسط بيروت، أدت إلى تصدع الشوارع والأحياء على مساحة كيلومترات عدة. وذكرت تقارير أولية أن الحريق الأول نجم عن اشتعال مستودع للألعاب النارية.

امتدت موجات الانفجار إلى الجبال، مما دفع الناس إلى الانبطاح أرضا، بعدما اهتزت الأرض بمعدل 3.5 درجات بمقياس ريختر، ووصل تأثيره إلى 290 كلم عبر البحر المتوسط في قبرص، وفقا لمركز الأبحاث الألماني لعلوم طبقات الأرض.

كارثة وراء كارثة

يقول تقرير الإندبندنت إن النقص الشديد في الوقود جعل اللبنانيين يعانون من انقطاع التيار الكهربائي لنحو 20 ساعة يوميا، وإن التفجيرات وأعداد الضحايا المتزايدة والدمار سيضيف إلى مآسي اللبنانيين المزيد من الأزمات.

وفي ظل هذه الأزمة الصحية والمالية غير المسبوقة، أهملت المستشفيات دون تجهيز للتعامل مع التفجيرات، لذا صرح مصدر أمني بأن الضحايا نقلوا خارج المدينة لتلقي العلاج، لأن مستشفيات بيروت كانت ممتلئة بالجرحى بالفعل، واستدعيت سيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر من شمال البلاد وجنوبه ووادي البقاع في الشرق، للتعامل مع الخسائر الضخمة.

أزمة طاحنة

ضاعف سوء الإدارة المحلية والفساد المستشري في أوساط النخبة السياسية الأضرار مرات عدة، بحسب الإندبندنت، وعانى الاقتصاد اللبناني من ركود وأزمة طاحنة في العام الماضي لدرجة أن خمس القوة العاملة أصبح خارج العمل، وحوالي 30% من الشباب أصبحوا عاطلين عن العمل، مع ارتفاع هائل في معدلات التضخم.

وفوق كل ذلك جاء الإغلاق الذي فرضته الدولة لمواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد ليسحق النشاط كلية، ويكبد الملايين ممن يعتمدون على الاقتصاد غير الرسمي في لبنان، حيث تكبدوا خسائر فادحة، وفي غياب شبكة أمان اجتماعي مناسبة كان من المحتم أن يرتفع الفقر إلى مستويات تدعو إلى اليأس.

ضغوط متزايدة

تعرضت مستشفيات لبنان أيضا إلى ضغوط متزايدة جراء جائحة كورونا، مع بدء تزايد حالات الإصابة بوتيرة تنذر بالخطر خلال الأسابيع الأخيرة. وتعد المالية العامة في لبنان منطقة منكوبة، إذ يبلغ الدين العام مرة ونصف حجم الدخل الوطني للبلاد، وكان عجز الميزانية الحكومية يقارب 10% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي.

وتؤكد الصحيفة البريطانية أن انفجار الثلاثاء لم يكن يتسبب في كل هذه الخسائر، لولا أن لبنان كان يتدحرج فعلا بالقرب من حافة الهاوية منذ أشهر، ولا سيما بعد أن تخلفت الحكومة عن سداد ديونها السيادية في مارس، وكانت بالفعل تخوض محادثات مع صندوق النقد الدولي لضخ 20 مليار دولار من الدول الأجنبية لتمكين البلاد من دفع ثمن وارداتها الحيوية، وتنفيذ إعادة هيكلة عاجلة لاقتصادها، لكن المحادثات تعثرت.

هل ستنفرج الأزمة؟

تقول مصادر صندوق النقد الدولي، إن النخبة في لبنان تهتم بحماية مصالحها المالية الضيقة أكثر من اهتمامها بإنقاذ اقتصاد البلاد، وفي أعقاب الانفجار تعهدت دول أجنبية بتقديم مساعدات إنسانية للبنان في شكل معدات طبية وفرق إنقاذ، ولكن ماذا بشأن حزمة الإنقاذ الاقتصادي الدولي الأوسع؟

- هل تحل مأساة هذا الأسبوع المأزق اللبناني المحلي، وتفتح الطريق أمام حزمة إنقاذ صندوق النقد الدولي؟

- هل تساعد الدول الغربية لبنان أم تنشغل بحالة الطوارئ المحلية الناجمة عن فيروس كورونا التي لا زالت محتدمة فيها؟

إذا كان من الصعب توقع الإجابات، فإن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العاجلة إلى لبنان وتصريحاته تؤكد شعورهم بحجم حالة الطوارئ، لكن هل ستتدخل الحكومات الغربية الأخرى بقوة؟

لحظات مأساوية

كتب الصحفي البريطاني روبرت فيسك مقالا في «الإندبندنت» قال فيه إن هناك لحظات في تاريخ الأمم يتجمد أمامها التاريخ، وتظل عالقة في الذاكرة إلى الأبد، قد لا تكون هي أسوأ الكوارث التي تجتاح الشعب. ولا الحوادث الأكثر تأثيرا سياسيا، لكنها لحظات تجسد المأساة اللانهائية التي يعاني منها المجتمع.

ويرى فيسك أن المعاناة التي أثقلت كاهل بيروت لا تقارن بحمام الدم الاستثنائي الذي سفك أثناء حربها الأهلية، ولا بوحشية الموت اليومية التي تنهش سوريا، ويقول «حتى إذا أحصينا إجمالي عدد الوفيات وهو رقم ظل يتقافز منذ الليلة الماضية من 10 إلى 60 إلى 78، وصولا إلى المئات، فلن يصل إلى سقف يجعله جديرا بالتسجيل على مقياس ريختر الذي يحسب مدى الدمار الناتج عن الحروب، على حد وصفه.

كيف تستيقظ بيروت؟

وتساءل روبرت عن إمكانية أن تستيقظ لبنان مجددا، حيث قارن ما حدث ببومبي، قائلا «إن الكارثة التي حلت بمدينة بومبي الرومانية حصدت أرواح ألفي شخص، لكن ماذا عن موقع بيروت الرهيب في العصور القديمة؟ في عام 551م، ضرب زلزال مدينة بيريتوس الرومانية التي كانت تقع في مكان مدينة بيروت الحالية، موطن الأسطول الإمبراطوري الروماني لشرق البحر الأبيض المتوسط، ودمر المدينة بأكملها، وأزهق 30 ألف روح».

وأضاف «وفقا لإحصائيات الوقت، لا يزال بإمكانك مشاهدة أطلال تلك الأعمدة الرومانية البائدة، على مقربة نصف ميل فقط من موقع الانفجار الذي ضرب بيروت بالأمس، وقد تستوقفنا حتى بعض الملاحظات القاتمة عن حماقة أسلاف لبنان، فعندما انحسر المد، هرعوا إلى قاع البحر لنهب السفن الغارقة، لكن تسونامي لاحقا ابتلعهم».

وتابع «لكن هل يمكن لأي دولة حديثة أن تنبعث كالعنقاء من رماد هذا المزيج ثقيل الوطأة؟ وعلى الرغم من أن لبنان نجا إلى حد كبير حتى الآن من أنياب الموت الجماعي الناتج عن كورونا، لا يزال يواجه الوباء بوسائل إنقاذ يرثى لها».

الثعالب الحاكمة

ويسترجع فيسك في مقاله كلمات خليل جبران «أمة؛ سائسها ثعلب، وفيلسوفها مشعوذ، وفنها فن الترقيع والتقليد»، وتساءل «من سيقلده اللبنانيون الآن؟ ومن سيختار الثعالب التي ستحكم البلاد في قادم الأيام؟»،

وأكمل فيسك في مقاله «يخيم الغموض على هذه البقعة، ويتفشى فيها نقص المسؤولية السياسية لدرجة أنه أصبح سلوكا مألوفا.

ولم تحل جريمة قتل سياسية واحدة في تاريخ لبنان؛ سواء راح ضحيتها رؤساء أو رؤساء حكومات أو رؤساء وزراء سابقون أو أعضاء في البرلمان أو الأحزاب السياسية».

فيلم رعب

وعلى الرغم من أن هذا البلد يتمتع بأحد أفضل مستويات التعليم في المنطقة، ويسكنه أكثر الشعوب موهبة وشجاعة وسخاء ولطفا، وينعم بالثلوج والجبال والآثار الرومانية وأجود أنواع الطعام، وأعظم العقول وتاريخه الممتد لآلاف السنين، على الرغم من كل هذه النعم يعجز لبنان عن إدارة عملته الوطنية، وتوليد احتياجاته من الطاقة الكهربائية، ومعالجة مرضاه، وحماية شعبه، وفقا لفيسك.

وتساءل الكاتب «كيف تخزن 2700 طن من نترات الأمونيوم داخل مبنى متداع سنوات عدة بعد نقلها من سفينة مولدوفية كانت في طريقها إلى موزمبيق عام 2014 دون اتخاذ تدابير السلامة، وما هي وظيفة أولئك الذين قرروا ترك هذه المادة الكريهة في قلب عاصمتهم؟».

واختتم فيسك مقاله بقوله «هذا هو البديل بالنسبة لخليل جبران، السيناريو الذي يعقب جميع الحروب، ويحتوي على فراغ الخوف، الذي يلقي بوطأته على كل من يعيش في الشرق الأوسط. باختصار: إنه أكبر فيلم رعب شاهده العالم».

نهاية العالم

وتحدث محافظ بيروت مروان عبود، وهو يتجول في موقع التفجيرات، قائلا «أضحت بيروت مدينة منكوبة»، وتعهد رئيس الوزراء حسان دياب، بأن يدفع المسؤولون عن التفجيرات ثمن جريمتهم.

ولعل أكثر ما وصف الكارثة المصابون الذين جلسوا وقد وضعوا رؤوسهم بين أيديهم، وقالت سيدة عجوز عولجت من جرح بسيط في رأسها «ليس بوسعنا أن نتحمل المزيد فهذا أمر فوق طاقتنا»، وأضافت «لا نمتلك أموالا ولا طعاما ولا كهرباء، والآن دمرت منازلنا، وأفراد عائلتي في عداد المفقودين، وعلى ما يبدو كأنها نهاية العالم».

الوضع الاقتصادي في لبنان:
  • الفقر وصل لمرحلة اليأس.
  • 30 % من الشباب عاطلون.
  • خمس القوة العاملة خارج سوق العمل.
  • الدين العام ضعف الدخل الوطني مرة ونصف.
  • 10 % وأكثر عجز في الميزانية الحكومية.
قالوا عن الانفجار

هجوم

«إن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم المساعدة إلى لبنان... سنكون هناك للمساعدة، يبدو أنه هجوم مروع».

دونالد ترمب - الرئيس الأمريكي

دعم

«بعض المواطنين البريطانيين كانوا من بين المتضررين في التفجيرات، لذا عبرت حكومة المملكة المتحدة عن استعدادها لتقديم الدعم للشعب اللبناني بأي طريقة ممكنة».

بوريس جونسون رئيس - الوزراء البريطاني