الرأي

الاستقلالية الناضجة

فهد عبدالله
عند وقوع مشكلة ما في محيط التأثير القريب للإنسان ويكون له ارتباط بشكل أو بآخر بها، هل يستطيع أن يفكر أولا في كيفية مساهمته في وقوع المشكلة أم يتجه بالنظر إلى الآخرين وكيفية مساهمتهم فيها؟ ليس بالضرورة أن تكون أنت سببا في وقوع مشكلة ما، ولكن ابتداء التناول الذهني في المساهمة الشخصية تجاه حدوث المشكلة يجعلك تتجاوز كثيرا من الأدوار المعهودة والمتكررة في رمي أسباب المشاكل على الآخرين، فضلا عن تجاوز أدوار الأنا المتكلسة التي تنظر بعين واسعة في أخطاء الآخرين، وعين متغاضية عن الأخطاء الشخصية.

ما كان الاتزان في شيء إلا جعله مكسوا بالجمال، فالنظر باعتدال إلى كيف ساهمت وساهم الآخرون في وجود مشكلة ما يساعد وبطريقة سحرية في عدم تكرار المشكلة والسرعة في إصلاحها، وفي الحقيقة أن كثيرا من المشاكل والأحداث التي تحصل، جزء كبير من جوهرها يدور في كيفية النظر إليها وتكوين التصورات حولها، ولو بحثت قليلا لوجدت شيئا من جذور هذه المشاكل يقع حول طرائق النظر إلى الداخل، تأمل في مشكلة قريبة معقدة حدثت وأنت ضمن محيطها، وانظر إلى آراء المشتركين فيها، ستجد اختلافات النظر تجاهها تعود في الأغلب لطريقة النظر الداخلية لكل شخص.

هذا الملمس في قالب المشاكل والمساهمة فيها يرتبط بشكل مباشر بطريقة الحلول وتنوعها من خلال مبدأ التغيير الأزلي الذي يبدأ من الداخل ويتجه للخارج، كما في الآية الكريمة «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، والسر في ذلك هو الابتعاد عن مظهر الضحية السائد والتفتيش في جذور المشكلة بتجرد، والذي بكل تأكيد سيجعل من توصيف المشكلة يقترب من الصحة، وكذلك الانتقال سريعا في خطوات الحل.

لذلك كانت الاستقلالية الناضجة ليست تلك التي تجعلك قادرا على صنع القرارات الشخصية بمعزل عن تأثيرات الآخرين فحسب، بل هي أيضا وفي قمة توهجها أن تكون قادرا على رؤية الأمور كما هي، بمعزل عن التحيزات الشخصية التي قد تميل عن التصور الصحيح للمشكلة، وبالتالي ستتجه بالحلول إلى حلول مؤقتة أو حلول تتناول أعراضها.

أعتقد أن هذا المنظور في طريقة تناول المشاكل التي قد تكون طرفا فيها سيكون بمثابة طوق نجاة سهل الاستخدام مهما كانت تضاريس المشكلة المعقدة التركيب، والأرضية التي يقف عليها صاحب هذا الطوق أنه يستمد التقدير والاحترام من خلال مستودع النزاهة الداخلي لديه، وليس من خلال تقييم وتقدير الآخرين، بل تجده في أحلك ظروف التشويه للمشكلة من قبل الآخرين لا يتأثر بذلك لأن المرآة الداخلية شديدة الوضوح لا تؤثر فيها سلبا انعكاسات المرآة الاجتماعية.

ومن أجمل صور الحرية التي قد يتلذذ بها الإنسان أن يكون قادرا على وضع المكنونات الداخلية تحت المجهر وتقييمها والتعلم في استخدام مشرط الجراح في التعديل والتقويم، وبعد ذلك في اختيار نوعية الاستجابة الحكيمة، عندها سيكون الضمير مرتاحا والعلاقة معه وثيقة جدا، وستشعر بأن تلك القيم والمبادئ العميقة ظهرت من خلف ستار.

fahdabdullahz@