الرأي

هل يستعيد الكاظمي عراقه المسلوب؟

عبدالله العولقي
سبق لي أن كتبت مقالا في هذه الصحيفة العامرة بعنوان (العراق وحكومته الجديدة)، وتساءلت حينها: هل يستطيع رئيس وزراء العراق الحالي مصطفى الكاظمي الوقوف أمام الآلة العسكرية الإيرانية المتخفية خلف الميليشيات الطائفية؟ وقد ظل هذا التساؤل جاريا حتى الأحداث العراقية الأخيرة بمداهمة واعتقال قادة وعناصر حزب الله العراقي، والتي من خلال مجرياتها يبدو أن الرجل الحديدي القادم من بوابة الاستخبارات العسكرية قد بدأ جديا في العمل على استعادة عراقه المسلوب.

لا شك أن علاقة بغداد بطهران ضرورية بحكم الجوار، ولكن يجب أن تبقى في هيكل الجوار الطبيعي، فمن حق العراقيين أن يعيشوا في عراقهم كمواطنين وليس كأغراب، ومن حقهم أن ينعموا بثروات بلادهم التي تذهب إلى سواهم، ولهذا يبدو أن الكاظمي سيلبي آمال وطموحات شعبه إذا استمر في سياسته الصارمة تجاه طهران، وقطع حبائل تدخلاتها في الشؤون العراقية على كل أنماطها العسكرية والسياسية والاقتصادية وحتى الدينية.

وهناك علاقة أخرى متوترة أيضا مع بغداد، برزت أخيرا على الساحة السياسية العراقية وهي تركيا، البلد الذي يحكمه نظام مؤدلج بقيادة حاكم غير سوي لديه رغبة غير واقعية باستعادة الدولة العثمانية المنقرضة، فالنظام التركي لديه أطماع صريحة في الشمال العراقي، ولا سيما في تلك المناطق الغنية بثروات النفط والمعادن، وقد شرعت طبول إعلامه مؤخرا بالترويج الدعائي بأن تلك المناطق العراقية تعتبر امتدادا طبيعيا لجغرافيا هضبة الأناضول التركية!

وعلى العكس من العلاقتين السابقتين، هناك علاقة جوار أخرى حتما سيسعى الكاظمي إلى توطيدها، علاقة مع الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، فتعضيد العلاقة مع مركز الثقل الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط سيمنح العراق فرصة هائلة من الاستثمارات الضخمة في تأسيس البنية التحتية وإنعاش الحالة الاقتصادية في الداخل العراقي، كما سيمنح العراق بعدا عروبيا في تدشين عودته الحقيقية لدى جامعة الدول العربية، فعلاقة بغداد بالرياض ليست علاقة جوار فحسب، بل هي امتداد طبيعي وتاريخي قديم بين الشعبين.

العراقيون لديهم أمل كبير في مصطفى الكاظمي لتحجيم النفوذ الخارجي في وطنهم، ولعل خروج مظاهرات التأييد لحكومته تحمل معاني التلاحم بين القيادة والشعب تجاه الرؤية التي يحملها الكاظمي، كما يريدون أيضا أن تلتفت حكومته إلى الداخل العراقي وتقضي على ملف الفساد الذي ينخر في مفاصل وهيكلية الدولة العراقية، فهو الملف الذي أخرج آلاف العراقيين إلى شوارع بغداد والبصرة وبقية المدن العراقية احتجاجا على استشرائه بهذه الصورة المخزية.

أخيرا، إذا تمكن مصطفى الكاظمي من كبح جماح طهران وأنقرة في الداخل العراقي، وأعاد جوهرة العراق إلى عقد عروبتها ومكانتها اللائقة بها بين أشقائها، وتمكن أيضا مع أبناء عراقه المجيد من القضاء على ملف الفساد المستشري بين مرافق وأجهزة الدولة، فإنه حتما سيعيد عراقه المسلوب، وسيصبح سياسيا استثنائيا في تاريخ العراق الحديث.

@albakry1814