الرأي

ثقافة الصحة والسلامة المهنية من منظور رؤية المملكة 2030

جبريل العريشي
تتطلع رؤية 2030 إلى خلق الوظائف ومكافحة البطالة وتدريب الشباب، وفي هذا السياق، فإن الصحة والسلامة المهنية من أهم معايير وشروط توفير بيئة عمل آمنة لهم، فهما تمكنانهم من الإبداع وتحافظان على سلامتهم المهنية.

لقد انخفض معدل حدوث الإصابات المهنية والأمراض المرتبطة بمجال الصناعة على مستوى العالم بشكل ملحوظ بعد حدوث عديد من التطورات في مجال العلوم والتكنولوجيا، مثل الضوابط الهندسية، ومعدات الحماية، والآليات والعمليات الأكثر أمانا، وانتشار ثقافة الالتزام بالأنظمة الموضوعة وعمليات التفتيش الدورية على أمكنة العمل، فضلا عن استخدام أنظمة إدارة الصحة والسلامة المهنية.

ولكن على الرغم من أن هذه التطورات قد أدت إلى أن تكون بيئات العمل أكثر أمنا، وقللت بالفعل من حدوث الإصابات والأمراض المهنية، إلا أنه قد لوحظ أنها كانت غير فعالة في بيئات العمل التي لا تنتشر فيها «ثقافة السلامة المهنية» بين منسوبيها.

فعندما وقع حادث تشيرنوبيل عام 1986، ذكر في تحليل أسبابه أن أسلوب تفكير العاملين في المفاعل النووي وسلوكياتهم المتعلقة بالسلامة المهنية كانت من ضمن أسباب وقوعه. وظهر حينئذ - لأول مرة - مصطلح «ثقافة السلامة المهنية» في سياق هذا التحليل.

وكذلك عند تحليل أسباب عدد من الكوارث الصناعية الأخرى التي حدثت، وجد أن أنظمة السلامة المهنية في أماكن العمل قد انهارت، ولم يكن ذلك بسبب طريقة إدارة إجراءات السلامة، ولكن بسبب الخلل في «ثقافة السلامة المهنية» السائدة عند وقوع هذه الكوارث. لذا، فقد كان الدرس المستخلص من هذه الحوادث هو ضرورة خلق مناخ أو ثقافة مشتركة في المؤسسة تعتبر أن السلامة المهنية لها الأولوية الأولى.

إضافة إلى ذلك، فقد اتسم العمل في القرن 21 بالتوسع في قطاعات الخدمات وبنمو الصناعات المعرفية، وبزيادة كبيرة في أعداد الشركات الصغيرة والأعمال غير التقليدية، فضلا عن انتشار ظواهر العمالة غير المستقرة وشيوع تنقل العمال بين الوظائف، وأسفرت هذه الخصائص عن قضايا جديدة تتعلق بصحة العاملين، وعن أنواع مستجدة من الاضطرابات الصحية والأمراض المزمنة المرتبطة بالعمل. يضاف إلى ذلك ما ظهر مواكبا لجائحة فيروس كورونا المستجد من قضايا تتعلق بسبل الوقاية مثل التباعد الاجتماعي واستخدام المطهرات وغير ذلك.

هناك حاجة ماسة الآن إلى زيادة الاهتمام بنشر ثقافة الوقاية الصحية بين العاملين في كل القطاعات، وهو ما يتطلب على المستوى الوطني وضع سياسات تلزم المؤسسات باستخدام أنظمة إدارة الصحة والسلامة المهنية، وتدفعها لتغيير الثقافة السائدة بين منسوبيها، والتي تنظر إلى الصحة والسلامة المهنية باعتبارها أمرا هامشيا، بحيث تستبدل بثقافة إيجابية تضعها على قمة سلم الأولويات.

jarishee@yahoo.com